ثقافة الإختلاف.. ثقافة الإختلاف..
أحد المصطلحات التى يطنطنون لها كثيرًا هذه الأيام فى وسائل اعلامنا المريضة، لكنى لم أجد أحدًا من الأشاوس الذين ينظرون لها يطبقها ولو مرة واحدة.. حكوميين ومعارضين.. اسلاميين وعلمانيين.. حدًا سواءًا عندى فى ذلك الأمر.
اليوم كنت عائدًا من الاسعاف الى الهرم.. مسرعًا حتى أتمكن من اللحاق ببداية مباراة الأرسنال وميلان أو مباراة برشلونة - فريقى العالمى المفضل - وسيلتك الاسكتلندى.
فى حالات عودتى من الاسعاف الى الجيزة مباشرة أفضل الميكروباص على المترو.. فهو يختصر الطريق كثيرًا
دعوت الله أن يكون كوبرى 6 أكتوبر رائق المزاج بما يكفى كى أصل فى ميعادى..
وقد كان..
ركبت أول ميكروباص نادى على الهرم.. ركبت فى الكرسى الذى وراء السائق مباشرة وشرعت - تمضية للوقت - فى تأمل ما يظهر لى من وجهه حين يلتفت الى الوراء وتأمل أيضًا لحيته الضخمة غير المشذبة.. لحية من النوع الذى أكرهه..
لى رأي فى موضوع اللحى هذا..
1- لا يخيل الىّ أن السنة قد جاءت لتشويه الوجه بهذا الشكل.. دعك من حقيقة أن اللحية من "سنن العادات" غير المأمورين باتباعها الا فيما يناسب..
2- اللحية هى من "المظاهر التدينية" التى يجب أن تنم عن الجوهر.. اللحية هى أخر شئ يمكن أن أفعله حتى أقول أنى أنتمى لهذا الدين، لأنه لا يضايقنى شئ قدر أن أرى أحد الملتحين مثلاً وهو يقفز من فوق بوابة عبور المترو لأنه لم يدفع ثمن التذكرة..
اللحية - من وجهة نظرى - مسئولية قبل أن تكون مجرد مظهر.
وعودة..
وكان هناك رجل يجلس الى جوار السائق.. شاب فى بداية الثلاثين من عمره كما خمنت..
وحين بدأنا التحرك أخرج ذلك الشاب موبايله وبدأ فى تشغيل أغنية..
أغنية من التى يطلقون عليها "شعبية".. مع تحفظى على المصطلح!
فى البداية ظن السائق أنها مجرد رنة وستنتهى، لكنه ما ان وجدها استمرت فترة طويلة سأله بمنتهى الأدب:
- دى رنة ولا انت بتسمع؟
- لأ بسمع
- طيب لو سمحت علشان أنا مبسمعش أغانى ممكن توطى الصوت على قد ودنك ولو فى سماعات يبقى أحسن كتير..
هكذا..
عادة وفى مواقف كهذه أنا أمتلك لسانًا حادًا للرد على هؤلاء الذين يحرمون نعمة الاستمتاع بالسماع أو - على الأقل - لا يحترمون اختلاف العلماء فى تحديد اذا ما كانت تنتمى الى الحلال أو الحرام..
لكن أدبه أخرسنى..
هذا - فى رأيي- نموذج شديد البهاء فى التطبيق العملى لدرس من دروس ثقافة الاختلاف..
أنت تحب أن تسمع..
حسنًا هذا من حقك.. لكن - من فضلك - لا تؤذى أذنى لأنى أعتقد أن هذا يؤذى..
اختلفت نظرتى له تمامًا بعد موقفه هذا ووجدت اعجابًا يتسرب الىّ تجاهه ووجدتنى بعد ذلك أراقب معاملته للركاب ولم يخيب ظن اعجابى به.
أدب قلما نجده لدى سائقى هذه الأيام الذين يتعاملون مع الركاب كخادمين لهم، وليس العكس!
عمومًا..
كانت فرحتى بذلك الرجل كافيةً جدًا لاضفاء السعادة على مذاق يومى، بالإضافة الى فوز برشلونة بالتأكيد:)
فشكرًا له وجزاه الله خيرًا على السعادة التى أدخلها الى قلب مسلم.