الاثنين، ٢٣ يونيو ٢٠٠٨

د. جمال حمدان.. للجغرافيا تأثير النور

للأمريكى الكبير " Ray Bradbury " قصة، هى " تأثير الفراشة"، القصة - باختصار شديد - تحكى عن اختراع العلماء لألة زمن ثم يرسلون فيها أحدهم الى الماضى، الى عصر الديناصورات تحديدًا، ليرى كيف كانت تسير الأمور، تسير القصة على هذا المنوال، ويعود بطل القصة الى زمنه الأصلى، ليجد كل شئ فى العالم قد تغير، وحين يعود بالذاكرة الى ما فعله أثناء وجوده فى زمن الديناصورات ليكتشف أنه قد قتل فراشة!
وتراكمت التغييرات التى استتبعت ذلك عبر ملايين السنين الى أن أدت الى التغيير الموجود فى عالمه الأن..
تعرفون هذه اللحظات، التى لا يعود كل شئ بعدها كما كان قبلها، ولا يمكن أن يعود..
أحيانًا تصيبنى الدهشة من كينونتى فى الزمان الحاضر..
لعلها صدفة، أو هو قدر الله الذى لا يرد اذ قدر علىّ عدم مقابلة أناس لهم فى قلبى كل معانى الحب والتقدير..
أولهم - تأكيدًا - النبى صلى الله عليهم، وصحابته - عمر بن الخطاب رضى الله عنه تحديدًا - ولن يكون أخرهم د. جمال حمدان
لعلها صدفة، أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن يختاره الله الى جواره حين كنت أنا لا أزال أتخبط فى غموض الطفولة.. براءتها ربما..
توفى، ولم أعرف أنه توفى..
وربما لم يكن يعنى لى ساعتها شيئًا أن يموت د. جمال حمدان..
ولم أكن أعرف ساعتها أنه أحد من سأعشقهم فى زمان العقل، أو هذا ما أتمناه لنفسى أن أكون فى زمان العقل.
لعلها صدفة؟! أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن أبتاع كتابه الرائع " استراتيجية الاستعمار والتحرير " من بائع كتب مستعملة أمام كليتى، ولم أكن أعلم ساعتها من هو جمال حمدان وكيف كانت عبقريته!
كنت جاهلاً..
أعترف..
لعلها صدفة، أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن يرد لى د. جمال حمدان ثقتى فى نفسى وفى تفكيرى وفى أرائى..
ليس العلم هو ما نأخذه فى المدارس والجامعات.. العلم ليس مجموعة من الأرقام والمعادلات العجفاء التى توضع الى جوار بعضها ثم لا شئ بعد..
الثقافة ليست مجرد معرفة أن نهر النيل أطول من المسيسبى..
العلم ليس مجموعة الحقائق.. العلم هو الميكانيكية الكبرى، الحقيقة الكبرى التى تجمع هذه الحقائق الصغيرة..
الثقافة ليست مجموعة من المعلومات العامة، بل هى أسلوب حياة..
العلم ليس " ماذا حدث؟ " بقدر ما هو " لماذا حدث؟ " "وكيف حدث؟ "
العلم هو التساؤل..
العلم هو الفطرة البشرية التى تكون عقيدة " السببية " جزءًا شديد الاهمية منها
وأخيرًا..
فالعلم هو نور معرفة الاجابة بعد التساؤل..
لعلها صدفة، أو هو قدر الله الذى لا يرد، ألا يمهله قليلاً ويعطينى فرصة للقائه والجلوس تحت قدميه وأن أطلب منه أن يتكلم..
فقط يتكلم..
وأنا أتشربه بعينى وعقلى وقلبى..
أحفظه بداخلى..
فهو - عن حق - العالم المعلم
لعلها صدفة، أو هو حكم الله الذى لا يرد، أن أجلس الأن أكاد أبكى غيظًًا من لحظة تدنٍ خارقة غير مألوف لا فى التاريخ ولا الجغرافيا إذ لا يحتفى بذكرى هذا الرجل - على الأقل - كما يحتفى بذكرى الراقصات، مع الفارق الرهيب تأكيدًا.
جمال حمدان ليس مجرد عالم زهد المناصب وزهد الدنيا وتفرغ للعلم كعلماء الأساطير تمامًا، بل هو مشروع تنويرى متكامل، مشروع مصرى عربى مسلم، يأخذ مكانه بجدارة الى جانب مشاريع العمالقة " الشيخ جمال الدين الأفغانى، الإمام محمد عبده، الشيخ الغزالى ، د. محمد عمارة، وأخيرًا مشروع مختلف بعض الشئ لكنه تنويرى أيضًا على كل مقياس، إنه المشروع الفيروزى الرحبانى.
وحقه علينا - كما يؤكد د. عبد الوهاب المسيرى - أن نكمل مشروعه الذى لم يمهله القدر الوقت الكافى لإكماله.. هذا حقه علينا.
د. جمال حمدان فضله عليُّ شخصيًا لا ينكر، وعلى جيله لا ينكر، وعلى استشراف المستقبل لا ينكر.
فأدعوا الله أن يكرمه فى الأخرة جزاء علمه فهو من أخبر نبيه الذى لا ينطق عن الهوى أنه إذا مات بن أدم انقطع عمله الا من ثلاث، وذكر منهم " علم ينتفع به ".
____________________________
الخميس ما قبل الماضى كنت فى " عمر بوك ستورز " وشرفت مكتبتى باقتناء عمله الخالد " شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان "، الذى يقع فى 4000 صفحة تقريبًا بين دفتى 4 مجلدات.. والى هذا العمل تحديدًا والى روحه الطاهرة أهدى كل كلمة سأكتبها من الأن، فهو - عن حق - من علمنى كيف أرى.


الجمعة، ٢٠ يونيو ٢٠٠٨

وجه أخر لعبقرية الإسلام..

" هدف المبشرون - ربما أكثر الأعضاء عددًا فى فروع المؤسسة الإستعمارية - الى التغيير الجذرى فى المجتمعات الأصلية..... ولذلك سعوا، بوعى أو بدون وعى، الى تدمير المجتمعات التى وجدت قبل الإستعمار لتحل محلها مجتمعات جديدة على نهج أوروبا "
A. G. Cristopher

** ** **
" إن مهمة التبشير التى ندبتكم لها الدول المسيحية للقيام بها فى البلاد المحمدية ليست هى إدخال المسلمين فى المسيحية، فإن فى هذا هداية لهم وتكريمًا.
إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالى لا صلة تربطه بالأخلاق التى تعتمد عليها الأمم فى حياتها، وبذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الإستعمارى فى الممالك الإسلامية، لقد هيأتم جميع العقول فى الممالك الإسلامية لقبول السير فى الطريق الذى سعيتم له، ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام "
القس: صموئيل زويمر
رئيس جمعيات التبشير
مؤتمر القدس للمبشرين
1935
** ** **
مرة أخرى: الحضارات لا يمكن أن تنبت فى الصحراء، هذه قاعدة استراتيجية غير قابلة للتغيير تقريبًا..
و " تقريبًا " هنا مقصودة لأن الحضارة الإسلامية كانت الإستثناء الذى أكد القاعدة.
الملحوظة الأولى على الحضارة الغربية هى أنها تقدم - ربما
تفرض يكون تعبيرًا أفضل - نمط حياة جاهز يظن فيه هو أنه النمط الأفضل للحياة، ويظن فيه أيضًا أنه قابل للتطبيق فى كل مكان من العالم، وتحت أى ظروف ممكنة، وبتحدى أى صعوبات ترقى الى درجة المستحيل، وحتى الأن هذا المعنى موجود كما كان موجودًا - من قديم - فى أدبيات الإستعمار.
يمكن أن نترجم ذلك على أرض الواقع ببساطة حين النظر الى مبانى وسط القاهرة القديمة التى بنيت كلها على الطراز الأوروبى بعد فترة انبهار شديدة بالغرب بدأت منذ عصر اسماعيل.
"
مما هو جدير بالذكر والملاحظة، أن عصر اسماعيل كان يمثل البداية الحقيقية لمحاكاة الغرب فى المأكل والملبس والمسكن والسلوك. وكان ذلك بفعل النفوذ الأوروبى الذى بدأ يتسرب الى البلاد منذ عهد سعيد باشا، وزاد فى عصر اسماعيل حيث شمل كافة الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية. ومن الملاحظ أننا حاكينا نماذج ولم نحاكِ فكرًا أو عقائد. وكانت وظيفة الوافد الأوروبى تتمثل فى تهيئة البيئة المصرية للهيمنة الأوروبية عليها سياسيًا واقتصاديًا تمهيدًا لإستعمار البلاد، وهو ما حدث بالفعل. " (1)
وكان لهذا العمل " الإنسانى " - من وجهة النظر الأوروبية - أسماء عديدة أشهرها " حمل الرجل الأبيض " وانفردت الولايات الأن باسم جديد هو " القدر المبين " أى قدر أمريكا أن تفتح العالم لتحضره طبقًا لقيم ومعايير الحضارة الغربية.
حين تساءلت ماهو حكم الدولة غير المسلمة التى تمنع دعاة الإسلام من دخول أراضيها رد العلماء:
تُحارب
قلت: إذًا فى هذه الحالة يجب ألا نمنع مبشريهم من دخول أرض الإسلام وممارسة عملهم.
قيل لى: لا
تساءلت: لماذا؟!
جاء الرد: لأن دينك مثبت باثباتات علمية عقلية أكثر من أديانهم!
فى الواقع لم أقتنع..
لكنى بعد أن قرأت فى تاريخ التبشير بدأت أقتنع.. الموضوع أكبر من مجرد تغيير دين
الغرب يرى نفسه الممثل الوحيد للمسيحية، وبالتالى يجب أن ينتمى أى مسيحى فى العالم الى الحضارة الغربية، حتى ولو كان يعيش فى أقصى الشرق!، فى حين أن الراحل العظيم " إدوارد سعيد " كانت له مقولة رائعة: أنا مسيحى أنتمى للحضارة الإسلامية.
ولأن الحضارة هى فى العموم إنسانية الطابع بعيدًا عن الإنتماء لدين معين، فقد كانت مقولة إدوارد سعيد - الفلسطينى - معبرة الى أقصى حد.
والى أقصى حد أيضًا فهم الإسلام - ذلك الدين العبقرى ذو الجذور الصحراوية الرعوية - هذه الحقيقة، وطبقها كأحسن ما يكون.
لم يقدم الإسلام نمط حياة جاهز، وربما كان ذلك من أسباب خصوصية الحالة الحضارية الإسلامية، لم تقدم لنا الصحراء حلولاً جاهزة - غير ناجعة - للمشاكل، وفى الواقع لم يكن بامكانها هذا، لأنه - ببساطة - الرعاة لا يمكنهم فرض أسلوب حياتهم البسيط على الأسلوب المعقد للحياة فى الحضارات الزراعية المستقرة.
ولكن لأن هؤلاء الرعاة - وهؤلاء بالذات - هم أخر من تلقى وحى السماء فقد فهموا الأمور على حقيقتها.
الإسلام لا يقدم نمط حياة جاهزة، بل يقدم قواعد ثابتة شديدة العمومية، صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان، ثم يتركها تتفاعل مع متغيرات كل منطقة، وفى النهاية تقدم كل منطقة حضارتها الإسلامية الخاصة، وترك لنا - على الأقل - ألف نموذج صالح للتطبيق فى كل منطقة.
وأبسط ما يمكن أن يقال فى هذا أن حضارة الإسلام فى وسط آسيا مختلفة عنها فى العراق مثلاً، وأن حضارة الإسلام فى العراق مختلفة عنها الشام، ومختلفة عنها فى مصر، ومصر مختلفة عن المغرب، والمغرب مختلف عن الأندلس، وكلها حضارة إسلامية، وكلها تمارس فقه الواقع الصحيح " الخاص بها "، وكلها تمارس الإسلام عن حق.
______________________
(1) الحركة السياسية فى مصر 1945 - 1953 / المستشار طارق البشرى - دار الشروق 2002

السبت، ١٤ يونيو ٢٠٠٨

الطائفية.. والطائفية المضادة

بقلم د.عمرو الشوبكى ١٢/٦/٢٠٠٨

لم يكن حادث دير أبوفانا في محافظة المنيا هو الأول في مسلسل الحوادث الطائفية، وبالتأكيد لن يكون الأخير، فالحادث الذي أسفر عن وفاة أحد المواطنين وإصابة آخرين، معظمهم من رهبان الدير، كشف عن أزمة عميقة في طريقة تعاطي الدولة مع الملف القبطي، مثلما هو حادث مع باقي الملفات.

وتعود القصة ـ كما أشار زميلنا محمد رضوان علي صفحات «المصري اليوم» في ٨ يونيو الماضي في واحد من أكثر التعليقات اتزانا ومهنية حول الموضوع ـ إلي أن الخلافات علي المنطقة المحيطة بدير «أبوفانا» بملوي، تعود إلي بداية عام ٢٠٠٥، وأنها شهدت في العامين الأخيرين عدداً من المشاجرات والمعارك المسلحة، بين مسؤولي الدير وأهالي المنطقة، بسبب محاولات الرهبان التعدي علي المساحات الصحراوية المجاورة، بغرض ضمها للدير.

وأضاف التقرير أنه سبق صدور قرار من وزير الثقافة، بصفته رئيس المجلس الأعلي للآثار، برقم ٨١٢ لسنة ٢٠٠٢، يوضح حدود الدير كالآتي: «كيلو متر من الجدار الشمالي للدير، وكيلو متر من الجدار الجنوبي و٤٥٠ متراً من الجدار الشرقي، ومن الناحية الغربية حتي حدود جبانة المسيحيين»، وتقدم المسؤولون بالدير بطلب إلي اللجنة الدائمة لهيئة الآثار للموافقة علي بناء سور حول الدير الأثري.

وكما تكرر في مواقع أخري فإن المسؤولين بالدير لم يلتزموا بالحدود المشار إليها، الأمر الذي دعا المجلس الأعلي للآثار إلي إصدار قرار آخر في ٤ مارس ٢٠٠٧، بإزالة تعدي رهبان الدير علي أرض الآثار من الناحية الغربية. والمؤكد أن تكرار هذا النوع من الحوادث يعكس عجز الدولة وضعفها أمام طموحات الكنيسة وضغوط بعض جماعات أقباط المهجر،

ففي الوقت الذي يشتكون فيه من غياب القانون، ويطالبون بتطبيقه في مواجهة اعتداءات البعض، فإنهم يخالفونه بالاعتداء علي الملكية العامة (أو الملكية السايبة)، فقد تركت الحكومة ـ كما هي العادة ـ تمدد الدير غير القانوني بلا رادع ولا حساب تحكمه هيبة القانون لا بطش أجهزة الأمن، حيث رضخت للضغوط المسيحية حتي تداري ضعفها (وأحيانا خيبتها) في التعامل مع طائفية إسلامية أخري انتشرت في كتب تسيء للمسيحيين، وفتاوي تهين عقيدتهم، ومقالات تزدري دينهم، لتنتقل الطائفية من مرحلة التنظيمات الدينية العنيفة التي استهدفت المسيحيين والعلمانيين ورموز الدولة والسياح في الثمانينيات والتسعينيات إلي المجتمع «الطائفي» الذي يكره بعضه البعض ويمارس طائفية وطائفية مضادة كل يوم.

والواقع أن ما يمكن وصفه بـ «الطائفية الجديدة» ظهر في أعقاب جريمة الكشح عام ١٩٩٩، حين كانت الحكومة المصرية سعيدة بإقامة حفل عالمي ليلة رأس السنة في سفح الأهرام لإظهار وجه «مصر الحضاري»، وكانت الهجمات الطائفية غير الحضارية هي التي تجري علي أرض الواقع في صعيد مصر في تناقض صارخ اعتدنا عليه.

وكانت الكشح البداية الحقيقية والإنذار الأقوي الذي دل علي أن هناك خللاً ما أصاب العلاقة بين المواطنين المسلمين والأقباط، وأن المعالجة الأمنية، التي نجحت في حصار جماعات العنف، ستعجز عن التعامل مع المرحلة الجديدة، وأن العنف الذي مارسته عناصر هذه الجماعات قد انتقل من التنظيمات المتطرفة إلي الشارع المتطرف، ومن أفكار الجهاد العقائدية، التي تهدف إلي الثورة علي الحكم وإقامة نظام إسلامي يضع مخالفيهم في الرأي والدين علي أحسن تقدير في مرتبة ثانية، إلي المجتمع بمسلميه وأقباطه.

وتصاعدت حدة الحوادث الطائفية في أعقاب تحولات حدثت في إدارة الدولة وشكل الأداء السياسي (الذي غاب تقريبا)، حيث تصاعد دور الموظفين من رجال الدين الإسلامي، الذين غرسوا في عقول البسطاء مفاهيم شديدة التخلف والسطحية تحرضهم علي الطائفية وتشجعهم علي كراهية العلم، وحتي ما عرف بالدعاة الجدد فقد أثبتوا أنهم مجموعات تليفزيونية ساهمت في تسطيح وعي الشباب بصورة مفزعة أبعدته عن كل ما له علاقة بالعمل العام والنشاط السياسي.

ودعم من دور رجال الدين و«المفكرين» الإسلاميين الرسميين ثقافة إسلامية ارتبطت بأجواء الفوضي العارمة التي أصابت البلاد، فتحول الأذان الذي كان عنصر جذب وسكينة لمعظم المواطنين المصريين إلي صراخ في الميكروفونات دون أي رقيب، وإذا أوقع الحظ العاثر مواطناً مسيحياً مع سائق تاكسي أو ميكروباص أو حتي في بعض باصات الدولة يضع شرائط الوعظ بالصريخ، فسيضطر إلي أن يستمع ساكتا حتي يصل إلي بيته، وحتي لا يهدد الوحدة الوطنية..

وأصبحت المصالح الحكومية الرسمية (المجال المدني العام) مسرحا لأشكال متعددة من الشعارات الدينية وصور رجال دين مسيحيين، تظل مقبولة في المنازل ودور العبادة (المجال الخاص) وليس في مؤسسات الدولة المدنية.

وقد أسهم هذا المناخ في دفع الآخر القبطي إلي الانسحاب من هذا المجال العام المفعم بالصراخ الديني وبالمظاهر الدينية لا القيم الدينية، وبات من المؤكد أن الثقافة الإسلامية السائدة حاليا لم تمثل عنصراً مساعدا يدفع الجانب الأكبر من المسيحيين إلي التصالح مع الإسلام كما حدث من قبل، بل للأسف دفعتهم إلي إبداء حساسية مفرطة تجاه كل ما هو إسلامي، وعمقتها الجهات التي احتموا بها كالكنيسة وبعض جماعات أقباط المهجر.

ولم تكتف هذه المؤسسات باستقبال «شعبها» بترحاب كبير، إنما هيمنت علي عقله في السياسة والدين والنشاط الاجتماعي، فاختارت أن تكون أقرب إلي كل التيارات المتعصبة في الغرب والولايات المتحدة، وتعمل علي تكوين وعي جيل لا علاقة له بكل قضايا مصر السياسية والاقتصادية، فالعالم بدوره منقسم إلي أهل الخير المسيحيين وأهل الشر المسلمين، وردود الفعل والاحتجاج الصاخب تأتي فقط حين يتعلق الأمر بحادثة ضحاياها من المسيحيين، أما حين يعتقل مئات المصريين أو يعذبون في أقسام الشرطة أو يتظاهرون احتجاجا علي الغلاء والفساد وغيرها فهي كلها أمور خارج اهتماماتهم الطائفية.

فهل يعقل أن تتحول حادثة الاعتداء علي دير أبوفانا بكل ملابساتها إلي حديث حمل عنوان «مازال الغزو العربي لمصر مستمراً» كما ذكرت منظمة أقباط الولايات المتحدة في قراءة مغلوطة للتاريخ تصل في بعض الأحيان إلي العنصرية في كل ما يتعلق بالعرب والمسلمين، وهل توجد أي علاقة بين ما جري في دير أبوفانا بالمنيا والفتح العربي لمصر منذ ١٤ قرنا، وما هي قيمة مناقشة هذا القضية في سياق هذه الحادثة؟،

وإذا كان جوهر المشكلة هو غياب دولة القانون، فهو أمر يكتوي بناره المسلمون والمسيحيون، تماما مثل الفوضي والبطالة اللتين ترفرفان علي «عنصري الأمة»، وطائفية مجتمعية تغلغلت بسبب الواقع السياسي الحالي، ولم نعرفها في الأربعينيات والخمسينيات، رغم أننا كنا نعيش منذ قرون في ظل «الفتح العربي»، ولكن الذي تغير هو النظام السياسي، فهل هناك من يعقل؟، نعم وحان الوقت لكي يرتفع صوتهم.


المصرى اليوم

الأحد، ٨ يونيو ٢٠٠٨

الخميس، ٥ يونيو ٢٠٠٨

مصر.. ثوابت نُسيت فى الزمن الصعب

كحقيقة أولى، بل وأساسية: الحضارات لا تنبت فى الصحراء، الحضارات تنبت بشكل رئيسى على ضفاف الأنهار، ثم - بشكل أقل أهمية - على شواطئ البحار الكبرى.
هذا صراع أبدى قدره الله بين الرمل والطين، الرعاة والزراع، صحيح أنه انتهى بشكل كبير - فى الإطار العالمى - مع ظهور الإمبراطوريات البحرية العملاقة وانتقال صيغة الصراع الى " بر وبحر"، وربما مستقبلاً الى " أرض وفضاء" لكنه - فى الإطار المحلى - لا زال موجودًا.
ماذا إذًا عن الحضارة الإسلامية؟!
بشكل له استثنائيته البحتة نبتت جذور الحضارة الإسلامية - ولا نقول ظهر النبات كله - فى صحراء الجزيرة، وكان هذا - فى رأيي - لاعتبارات جغرافية أكثر منها حضارية.. إعتبارات اعجازية فى تفسير أخر.. إعتبارات تخص الحالة الاسلامية وحدها، ومع ذلك - أو لذلك - لم يستمر مركز الحضارة الإسلامية فى الجزيرة طويلاً، بل على العكس كانت الجزيرة هى أقصر حواضر الإسلام عمرًا- 35 عامًا تقريبًا -، لم تستمر حتى نهاية العصر الراشد حتى، فقد نقل على كرم الله وجهه عاصمة حكمه من المدينة المنورة الى الكوفة فى أواخر أيامه.
وعلى ذلك - فترة بقاء العاصمة فى الكوفة لا تذكر تقريبًا -، فيمكننا اعتبار أن عاصمة الخلافة قد انتقلت من المدينة الى دمشق فى العصر الأموى، ثم الى بغداد فى العصر العباسى الأول،- ثم فى العصر العباسى الثانى تعددت الحواضر الإسلامية بداية من القاهرة ثم غربًا فى خط طويل شبه مستقيم - ربما قبل ظهور القاهرة - الى الأندلس ثم عودة مرة أخرى الى الشرق بخط مستقيم فى القسطنطينية، وكان هذا بعد سقوط بغداد بوقت قصير نسبيًا وبعد فترة سيطرة تامة للقاهرة.
ما الذى يعنيه هذا؟
أو ما الذى يمكن أن نستنتجه من هذا؟

نلاحظ التالى:
1- على الرغم من أن الجذور صحراوية الا ان الحضارة الاسلامية لم تبدأ فى التشكل ككيان حقيقى ملموس الا بعد الانتقال الى الحواضر الاسلامية الجديدة - الحضارية القديمة، بل الموغلة فى عمق التاريخ، وبالأخص بعد انتهاء عصور الفتن والخلافات والصراعات الدينية والمذهبية بشكل شبه نهائى واستقرار الاسلام فى البلاد المفتوحة ولم يحدث هذا الا مع بدايات العصر العباسى تقريبًا.
2- كأنما بقوة خارقة - وكدليل دامغ على ثقلها الإستراتيجى - تجاذبت مراكز الحضارات القديمة ( العراق - الشام - مصر ) الصدارة فى غير تنافس الا التنافس الصحى، وآلت إليها - ألم يكن هذا طبيعياً؟ - الزعامة.
3 - وحتى فى هذا الإطار الضيق برزت مصر والعراق كقوتين زراعيتين نهريتين أقدر على الاستمرار فى الزعامة أكثر من الشام ذى الموقع البؤرى الخطير - يشترك فيه مع مصر - لكنه فى الأغلب بيئة جبلية ساحلية ضيقة لا تملك من قوة الموضع ما يماثل قوة الموقع، وليس هناك دليل أكبر على هذا من أن الخلافة الأموية فى دمشق لم تستمر سوى 90 عامًا فقط، بينما استمرت الخلافة العباسية حوالى 450 عام فقط وظهرت مصر كقوة مستقلة تابعة " اسميًا فقط " لبغداد منذ عام 868 ميلادية وهو عام دخول أحمد بن طولون وتأسيس دولته فيها، مرورًا بالاخشيدية (935 : 969 )، ثم الفاطمية (969 : 1171)، والأيوبية (1171 : 1250)، وأخيرًا المملوكية ( 1250: 1517 )، وهو العام الذى عادت فيه مصر كمستعمرة مرة أخرى تدار من متروبول ضخم هو القسطنطينة هذه المرة.
4- شرق العراق أى أواسط آسيا المقر الرئيسى لرعاة الاستبس لم تقم فيه أى حاضرة سياسية اسلامية، تسيطر على ما غرب العراق، أو حتى العراق نفسه،- قامت فيه بعض الدول التى سيطرت على منطقتها فقط كالدولة الغزنوية، ثم دولة السلاجقة الأتراك على أنقاضها - ربما كانت هناك حواضر ثقافية ومراكز اشعاع للاسلام كخراسان وبخارى وسمرقند، لكن أكثر من ذلك لا يوجد.
5-إذا حصرنا نطاق المقارنة بين حواضر الإسلام فى مصر والعراق فقط فإنه بالضرورة تتفوق مصر رغم تبعيتها للعراق، فبينما يتفق الإثنان فى غنى الموضع، بقيت عبقرية الموقع فى صالح مصر بكل تأكيد مما جعلها تقوم فى العصور الوسطى بدور بطولى فى صد غزوات الصليبيين هجمات المغول.
العراق الذى يوجد على حدود المراعى الاستبسية الأسيوية، ولم يكن يطل على أى بحر باستثناء نقطة تصله بالخليج العربى كان بكل تأكيد يقل أهمية عن مصر التى تطل على بحرين هما عقدة وملتقى مواصلات العالم البحرية.
بل إن مصر لعبت فى هذه المراحل دورًا قميًا فريدًا يكشف عن جوهر ومكنون شخصيته الاستراتيجية كاملة ربما أكثر من أى وقت مضى أو تلا، وذلك بغض النظر عن شكلية التبعية للعراق أو الاستقلال عنه.
والإشارة هنا بطبيعة الحال الى الصليبيات والمغوليات. وإذا قلنا الصليبيات والمغوليات فقد قلنا جغرافيًا زحف أوربا وأسيا، وحضاريًا خروج الزراع المستقرين والرعاة الرحل، واستراتيجيًا قوى البر والبحر مباشرة، وإيديولوجيًا الاستعمار الدينى والوثنى على الترتيب.
وإذا كان الخطر الصليبى أسبق الاثنين ، فقد تعاصرا جزئيًا، بل كادا أن يتعاونا على هذا الأساس، وبهذا وجد الشرق العربى نفسه تمامًا ازاء استراتيجية الكماشة أو الرحى، وها هنا بالدقة يتحدد موقع ودور مصر المحورى فى تحطيم القوتين على حد سواء، مما مهد الطريق لها لزعامة العالم الإسلامى بعد ذلك ولمدة قرنين ونصف تقريبًا بعد أن انتقل أخر الخلفاء العباسيين - المستعصم بالله - للإقامة بها بعد تدمير بغداد.
ولسنا فى مجال سرد تاريخى لكيفية تصدى مصر للصليبيين والمغول، لكن يكفى أن نتخيل - مجرد تخيل - كيف كان سيكون مصير مصر وبقية العالم إذا لم تنتصر فى عين جالوت.
6- فى العصر الإسلامى الوسيط كان الدين هو روح العصر، وكان الإسلام هو العقيدة والعصبية والجنس والجنسية والوطن والوطنية جميعًا، وكان الأساس أن ينتقل المسلم بحرية داخل الوطن الإسلامى الكبير، أو الكومنولث الإسلامى الكبير، ولم تكن الدول تبنى على أساس عائلى شخصى بحت، بعيدًا عن النويات الجغرافية أو الحدود، ودون أى حساسيات اقليمية أو قومية حادة، ودون أى مدلول استعمارى، الاستثناء الوحيد من ذلك - وبعنف وضراوة كذلك - كان فى حالة " الكفار " من وثنيين او غير مسلمين كالتتار والصليبين.
ليس هذا فحسب، الأكثر منه، وما قد يبدو لنا اليوم أغرب، أن هذه الدول - تمامًا كما سلم البطالمة مصر للرومان - كثيرًا ما كانت تسلم نفسها بنفسها لبعضها البعض، ربما بكثير من الصراع السياسى والصدام العسكرى، ولكن بغير حساسيات قومية حادة تستثار أو تتراكم وبلا نعرات قومية واقليمية تلثم أو تمتهن.
وإنما الأقوى أو الأقدر على المحافظة على الإسلام والعصبية الإسلامية فى وجه الخطر الأجنبى،أى الكفار، هو الذى يدال عليه، بل وربما يستدعى من جانب المدال منه لكى يقوم بالمهمة المقدسة التى تعلو على الطرفين جميعًا وكما يلخص د. صبحى وحيدة ( كان أهل الدولة الفاطمية هم الذين دعوا الأيوبيين الى اسقاط هذه الدولة بعد أ عجزت عن الوقوف فى وجه الكفار. وكان الأيوبيين بالذات هم من أنشأوا فرق المماليك ومهدوا لهم الحكم. وكان المماليك هم من واطأوا بنى عثمان وانهزموا لهم وتعاونوا معهم فى الحكم)
حتى الرقيق المستجلب إذا أسلم وكان الأقدر حربيًا وعسكريًا على المهمة - المماليك كمثال -، وهو كظاهرة تاريخية نتج عصر عدم الاستقرار والاضطراب والاقتلاع البشرى الذى أحدثه الطوفان المغولى المخرب فى وسط آسيا،وحصاد ما صاحبه من أسرى الحروب والمعدمين والمقتلعين وعادة بيعهم، أو بيع أنفسهم كرقيق - حتى هذا الرقيق لا مانع سياسيًا أو قوميًا او عنصريًا من أن يكون السلطة والدولة دون أن يقال إن هذه أو تلك " أمة يحكمها العبيد الأجانب "، كما يصور البعض تحريفًا وتشويهًا، ولعل الأصح أن يقال " تلك أمم تصنع حكامها بأيديها، أو على أيديها ".
ومهما يكن، فلابد هنا من وقفة تحليل وتأمل:
أولاً: لقد جاء انتصار عين جالوت تاريخيًا، كما هى جغرافيًا، بين قوسين من الإنتصار على الصليبيين، أعنى بين حطين وعكا، أى أن مصر الأمفيبية - أى التى تجمع بين قوة البر وقوة البحر - حاربت بنجاح وفى وقت واحد ضد قوى البر " المغول" وقوى البحر " الصليبيين ".
ثانيًا: سنرى أن المتتالية الإستراتيجية التقليدية تتكرر بحذافيرها هنا: أغلب غارات الاستبس تصل دائمًا الى العراق الذى يكاد يتاخمه، وقد تصل أحيانًا الى الشام فى طريقها الى الهدف النهائى والعقبة الكبرى دومًا " مصر"، ولكنها لا تصل إطلاقًا أو بالكاد الى مصر - ربما بحكم المسافة المتزايدة، لكن قطعًا كرد فعل للقوة البشرية.
7- على الرغم من قدسية مكة والمدينة وأهميتهما الدينية لم تعد اليهما أبدًا الخلافة بعد العصر الراشد، ولم يفكر أحد فى هذا، بل على العكس كانتا دومًا تابعتين للقوة الإسلامية الغالبة.. الأمويون أولاً، فالعباسيون، وغالبًا بعد ذلك مصر - كانت مصر مسئولة عن إرسال كسوة الكعبة سنويًا الى مكة فى موكبٍ يسمى موكب المحمل، وذلك حتى وقت قريب جدًا من منتصف القرن20.
8 - بعد الإنتصار النهائى على مغول تيمورلنك فى القرن 14 انتقلت السيادة الإسلامية نهائيًا الى مصر - ألم يكن هذا طبيعيًا منذ البداية - وأصبحت مصر قلب العالم الإسلامى النابض وعقله المفكر وحاضرته الثقافية والسياسية الأولى.
9- مع العثمانيين اختلف الأمر بعض الشئ مع أنهم لا يختلفون عن المماليك فى كونهم رعاة استبس أصلاً قادمين من أواسط أسيا لكنها دورة التاريخ الطبيعية التى أشار اليها بن خلدون فى مقدمته الشهيرة " يأتى فرسان رعاة مليئين بالحماسة والشجاعة الى حكم مملكة زراعية مستقرة أعلى منهم بكثير فى المستوى الحضارى، يصيبهم الوخم وأمراض الحضارة، فيأتى فرسان رعاة أخريين مدججين بالحماسة السابقة، وهكذا دواليك.
مع العثمانيين - الذين كانوا بالنسبة للحضارة العربية فى مصر كالرومان بالنسبة للإغريق - حضارة عسكرية بلا أى نتج مادى أو معنوى ولا يوجد دليل أكثر حسمًا على هذا - على فارق المستوى بين الحضارتين - من نقل سليم الاول للألاف من مهرة الصناع المصريين الى عاصمة ملكه، وحتى القرن ال18 كان الأتراك يرددون أن " المسموع عندنا فى الديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم ".
مع العثمانيين عانت مصر - الى جانب ضياع سيادتها الطبيعية على المنطقة - الجهل والحرمان والأمراض حتى جاء محمد على بأخر امبراطورية مصرية تشمل الحجاز ونجد واليمن وسواحل الخليج العربى والشام والسودان وكريت، وتنشر أسطولها فى البحرين المتوسط والأحمر لتصبح قوة أمفيبية حقيقية تسيطر على حوض المتوسط الشرقى وتكاد تحيل البحر الأحمر الى بحيرة مصرية خالصة.
وكانت هذه الإمبرطورية تكاد تعادل من الإمبراطورية العثمانية نصفها مساحة، وكانت تأكيدًا أقوى حضاريًا من الأمبراطورية العثمانية حيث اخترقت مصر محمد على قلب الأناضول وهددت الأستانة فى وقت ما - كل ذلك فى إطار التبعية الشكلي! - لقد اصبحت مصر رجل الإمبراطورية العثمانية القوى، بينما كانت العثمانية هى رجل أوربا المريض.
وقد وصلت طموحات محمد على الى حد الوصول الى الخلافة فى استنبول نفسها وبالتالى استعادة مصر لموقعها الطبيعى على رأس العالم الإسلامى، وبدا هذا وشيكًا، أو أوشك، حين تكشف عجز تركيا عن مواجهة التهديد الروسى فى المضايق وبدأت الطبقة الحاكمة فى استنبول تقول علنًا " إن المصريين مسلمون مثلنا، ومن الأفضل أن يحكموا هم فى الأستانة بدلاً من أن يحكمها الروس".
10- وحتى بعد ذلك فإنه ليس أدل على أهمية مصر وتأكيد وجودها وفرض ثقلها ومغناطيسيتها واشعاع جاذبيتها من أن 4 حروب من أصل 5 اندلعت بين العرب واسرائيل كانت مصر طرفًا أساسيًا فيها، بل لقد فقدت هى نفسها قطعة من أرضها - سيناء - لمدة 6 سنوات.
_____________________
هذا الموضوع ليس وطنية زائدة، ولا اثارة لنعرة قومية، وإنما هو خط أحمر، تأكيد لثوابت التاريخ والجغرافيا والإستراتيجية وعبقرية الموقع وغنى الموضع وفروق الأوزان الإقليمية والحضارية والقدرة على التأثير وألاف التفاصيل الأخرى التى نسيت - بعمد - فى الزمن الصعب.
فإذا كان العالم العربى والإسلامى جسدًا واحدًا فعلاً ، فان مصر تمثل منه العقل المفكر والقلب النابض بالإمتياز، بل وبالضرورة.
هذا المقال - مع كل كلمة أخرى أكتبها فى حياتى - مهدى الى روح د. جمال حمدان، فلولاه لم يكن له أن يظهر، وهو له من الفضل على تفكيرى وعقلى وأرائى ما أعجز معه عن الشكر.
المقال مهدى أيضًا الى روح د. حسن إبراهيم حسن صاحب العمل الرائع " تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى
والإجتماعى ".