الأحد، ١٠ أغسطس ٢٠٠٨

قوس قزح معطر..

تستدير الحكاية..
كهيئتها الأولى تبدو ..
وأبدو أنا كقاتل.. نعم أنا قاتل..
أتطلع الى الجدران.. ( تسند اليها فى ذهابه الأخير )
الطلاء أبيض، وكل طلاء المستشفيات أبيض، لا تعرف ان كان هذا لمداراة سواد الحزن الذي يطبق عليها دومًا ويترك آثره فى طلائها، أم أن الجدران عندنا فقط - في فلسطين - تكتسب لونها من زغاريد فرحة الإستشهاد.
أتطلع الى الجدران. أحاول التركيز. أى أثر تركته أصابعه النحيلة على الجدار. لو وجدته لقضيت أيامي كلها فى البكاء عنده. لصنعت منه حائط مبكى أخر. حقيقى هذه المرة.أتذكر حكمته الدائمة: لو كانت الكلمات تقتل لما استطعنا جمع أشلاء اسرائيل بملقاط، لكنك ترى معي أولاد الكلب هؤلاء يريردون منعنا حتى من الكلام.
الجد نجاح كان عجوزًا، فى الثمانين من عمره كما أخبرني. جاؤوني به وأخبروني أن اليهود قد ضربوا منزله بصاروخ. فقد اصبعين من يده اليمنى، ويده اليسرى، ملابسه عبارة عن خرقة معفرة، كان يتلو وأنا أضمد جراحه. لمست حقنة البنج جلده فتأوه بعمق جعلني أرتعب. تحمل ملامحه أثار جروح قديمة. ( قال لى فيما بعد أن ندبتين من ندبات وجهه قد ظهرتا بعد استشهاد زوجته وحفيده الأكبر)، أما قدماه فمليئة بحفر صنعتها الرصاصات. حين أفاق طلبت منه - تسرية عنه - أن يحدثني عن العمر الفائت.انطلقت منه أهة خفيفة لا أعرف ان كانت من الجسد أم من تألم الذكريات. يمتلك ذاكرة خرافية. حدثني عن قضاء يافا حيث ولد. كيف كانوا يزرعون البرتقال؟ كيف كان الإنجليز - أولاد الحرام - يأخذون برتقال يافا - أحسن برتقال فى العالم - بأبخس الأثمان، وكيف جاء اليهود. كان فى العشرين من عمره حين وقعت النكبة، فقد فيها بصديق عمره الصغير- وقتها - حسين، وفقد فيها ما هو أهم. فقد يافا. وأحيانًا كان يضحك. أنظر له متعجبًا: ومالذى يضحكك يا جد؟ اليهود - أولاد الكلب - لهم الأن ثمانين عامًا يحاولون قتلي ولم يعرفوا، ضربوا البيت فى المرة الاولى، وعمرته،ضربوه ثانية، فعمرته، الأن ضربوه الثالثة، ولا أعرف ان كان الله سيعطيني القدرة على أن أعمره ثالثة أم لا.
- أطال الله فى عمرك يا جد.
ثم طلب مني أن آذن له بالخروج لأنه يرى أنه قد تحسن، كما أن هناك من أهم أحوج منه الى سريره. قلت ألا تريد أن تنورنا قليلاً حتى نطمئن عليك يا جد، ثم اين تذهب؟! البيت اصبح طللاً لا يصلح للسكنى.
ألمح في عينيه غضبًا خافتًا، ثم تصميمًا..
- سأعمره، ولو ضربوه ألف مرة وكان بداخلي نفس واحد يتردد سأعمره.أحاول التخفيف عنه لكنه يصر أن يخرج. لم أر أن حالته تستدعي البقاء أكثر كما أنه بالفعل هناك من هم أحوج منه الى سريره.
قلت: فلأوصلك يا جد الى بيتي تستريح قليلاً، وغدًا نر ما يمكن فعله.
بتصميم رد: لا.. سأبيت فى بيتي

- !!!!
ثم بلهجة تضرع أب الى ولده: أوصلني اليه.
ومن فى غزة كلها لا يعرف بيت الجد نجاح. فى الطريق وجدته يبكي. احترمت بكائه ولم أشأ السؤال عن السبب تطفلاً، ثم انه ليس غريبًا أن يبكي المرأ فى فلسطين، الغريب ألا يبكي.
لكنه أجاب عن تساؤلاتي كلها بإشارة واحدة الى جدار متهدم وقال بصوت مبحوح: هنا استشهد محمود حفيدي، كان يصد اجتياحًا يهوديًا معتادًا، جائني به زملاءه - أو بما تبقى منه - من وهم يبكون وحكوا الحكاية. نفدت ذخيرته ولم ينفد جنود العدو بعد. بقيت معه قنبلة يدوية واحدة. نظر وراءه فرأى بيت أم علي الشهيد. زوجها قعيد لإصابة سابقة. بقية أسرتها بنات. لو عرفوا أنه حاربهم من هنا فسيهدمون البيت على من فيه ظنًا أن من فيه قدموا له المساعدة. قام بحركة التفاف رائعة، اعمى الله بها أعداءه عنه، ثم نزع فتيل القنبلة وحشرها فى حزامه وانقض بها على 3 من جنود العدو وهو يصيح الله أكبر، فقتلهم جميعًا، وحمى الأسرة الضعيفة من شرورهم.جاءت أمه على عجل لترى ما تبقى من ابنها، لم تلمح سوى ابتسامة على وجهه، زغردت، وزغردت معها كل نساء الحي.
التفت لأرى بيته أمامي، يقف وحيدًا شامخًا. طلل شامخ، ككرامتنا. رأيت نظرة عينيه تحثني أن اسرع الخطي، أوصلته وأجلسته الى بقايا جدار متهدم، ثم طلب مني أن أعود الى المستشفى، فهناك يحتاجونني أكثر.أو تبقى هنا وحدك يا جد؟! هذه أرضي يا ولد، صحيح أنني من هناك.( يشير الى الشمال ) من يافا. لكن فلسطين كلها أرضي. ثم من سيفكر أن يضرب طللاً كهذا، هناك بيوت كثيرة تحتاج الى صواريخ، ثم من يدري؟ ( يضحك بمرارة ) ربما هم ينتظرون أن أعيد بناءه حتى يضربوه ثانية.
نظرت اليه فى اشفاق. يحاول أن يداري دمعة فى عينيه لكنها تعانده وتسقط على خده، أسرع اليه بمنديلي الورقي، لكنه يرفض يدي الممتدة اليه ويخبرني أن هذه الدموع هي ما تذكره بأن له حقًا على اليهود، وسيأخذه، وله ثأر عند اليهود، وسيسفك فى سبيله دماء اليهود كلها لو استطاع.تصنعت الحزم مع نفسي - حتى لا أنفجر باكيًا - ثم استأذنته فى الرحيل فأذن.
وأه من فعل الرحيل هذا، كم كانت الساعة وقتها؟! السابعة مساءً، أم هي السابعة وخمس دقائق، أم السابعة و6 دقائق و35 ثانية.وأين كنت، ولماذا لم أبق معه؟!
بعد أن تركته لم تترك قلبي كلماته، ظل صداها يتردد داخل ردهات عقلي، وجدتها مكتوبة على صفحة السماء ومأطرة بعدد من النجوم الخافتة. وبدت نهنهته الخافتة كخلفية صوتيه لعالمي الصامت، لكن فجأة، غطي عليها - على النهنهة - صوت طائرة حربية بغيض، نظرت الى الأعلى فوجدته، غراب معدني أسود يطلق مخالبه نحو بيت مجاور على بعد شارعين منى.
ثم بوم..
ينفجر البيت، الصوت، و يكاد رأسي ينفجر به، وتنفجر معه أصوات سيارت الإسعاف الخافتة، لكني لم أبه كثيرًا، أحاول أن أضع كلمات مدير المستشفى فى رأسي. لا يوجد أسهل من الموت فى غزة. هل هذا حق؟! أراقب الغراب الأسود. دار نصف دورة. ترى هل رأني؟! وهل أستحق صاروخًا يضربني وحدي، انما هو يضرب البيوت الأمنة، هم يريدون افساد قنبلتنا الديموجرافية، كل صاروخ بعشرة فلسطينيين، بمائة فلسطيني، بألف فلسطيني، بمليون فلسطيني، بفلسطين كلها ان أمكن. راودني خاطر مضحك، مسابقة بين طياري الجيش الإسرائيلي على من يقتل أكبر عدد منا بصاروخ واحد، الجثث تبدو واضحة فى التليفزيون ويمكن عدها. نسيت ما يمكن أن يحدث بعد ذلك لأن الغراب اقترب مني جدًا ونعق بصوته البغيض. بعد أن مر صوته تذكرت روايات الرعب القديمة، وجود غراب يعني فأل شؤم. رددت على نفسي ساخرًا: وما هو الغريب فى ذلك بالنسبة لمكان كغزة؟ مرت فى خاطري صورة مفزعة جعلتني ألتفت الى الغراب مسرعًا لأرى ماذا يفعل فرأيته ينقض على نقطة أدركها عقلي مسبقًا، ظهرت الصورة فجأة كنقطة فى قلب الأفق المحمر، ثم امتدت لتستولي عليه كله. صحت. صرخت.. جريت نحو الطلل .. صرخت: لااااااااااااااااااااااااااا
لكن الغراب كان أسرع مني، ومن أنا حتى أسبق غرابًا شريرًا؟!، وانزلقت مخالبه بقوة الشر الذي صنعها كي تهدم الجدران الباقية بعناد، كي تحول الطلل الى حفرة كبيرة ترقد فيها روحي الى جوار الجد نجاح.( عرفت فيما بعد - ربما على سبيل السخرية - أن هذا الغراب بالذات هو من ضرب المنزل فى المرة الأولى، وقد راهن زملائه من الغربان السود الأخرين أنهم حين يعودون معه لن يجدوا طوبة سليمة فى منزل استهدفه، وحين عاد ووجد بعض جدرانه لا زالت صامدة، ثارت سخرية زملائه، وثارت معها ثائرته، فداعب الجدران الشامخة بصاروخ أخر، وأخير).
نحو الطلل جريت. لم يعد طللاً، صار حفرة كبيرة، مجرد حفرة كبيرة مغطاة على الأقل بطن من الحجارة والتراب، صرخت:
يا جد..
يا جد..
يا جد..
يجيبني الصمت، ونواح الإسعاف القادم من بعيد، بدأت أزيح أكوام الحجارة والتراب بيدي، بأظافري، تنهمر دموعي وأصرخ مناديًا التراب وأكوام الحجارة:

يا جد..
يا جد..
يا جد..
يجيبني الصمت، وصراخ الإسعاف الذي اقترب، يمضي الغراب بعيدًا الى قلب السماء وقد أدى مهمته.
وأنا لا أزال أصرخ، يأتي الإسعاف أخيرًا.. ينزل الرجال ويحاولون مساعدتي وأنا أقول لهم، أنا من جئت به الى هنا، أنا الدكتور حسن ابراهيم الساعدي قتلت الجد نجاح، جئت به الي حيث يقتله الغراب الأسود الكبير، ضحكت، ثم طفقت أبكي بحرقة. أدركوا أنني لست فى حالتي الطبيعية، وأنني أبكي أكثر مما أساعد، فطلبوا مني التوقف، لكني لم أتوقف، منعوني بالقوة، كتفني أحدهم حتى يتمكنوا من اعطائي حقنة ..
أم كانت منومة؟!
فى الحلم رأيته..يرتدي الأبيض ويقف على جبل أخضر، وحول يديه تدور مجموعة من عصافير الجنة تلتقط الحب منها، ومن فوقه تبدو السماء منقوشة باسمه، واسم حفيده الشهيد، ومأطرة بمجموعة نجوم متألقة تتحرك ذهابًا وجيئة كأنها فى نوبة حراسة، يأتي الأرجواني من الشمس ليعطر المكان. مكان قلبه تبدو ماسة تشع بكل ألوان قوس قزح. تفوح الألوان فى الهواء، ومعها رائحتها العطرية الأخاذة.
سألته: ما هذا يا جد؟
قال: هذه أرواح الشهداء.
- وما قوس قزح هذا يا جد؟
- ليست الشهادة مجرد استفادة خاصة يا ولد، ينزل الله بركتها على أهل الشهيد، وكلكم أهلي.
ستعرف حين يسري الأحمر فى قلوبكم.. لتنير.
والبرتقالي - لون يافا - فى أرضكم.. لتزهر.
والأصفر.. فى صحرائكم.. لتأكل العدو.
والأخضر.. فى شبابكم .. ليثمر.
ثم صمت. سألت: وبقية الألوان يا جد؟! ضحك ضحكة خفيفة ثم غمز بعينيه كأيام الشباب ورد: يجب أن تأتي لتعرف.
وأردف فى حزن شفيف: صدق مديرك، ليس أسهل من الموت فى غزة.
أستيقظ، لأجد نفسي على سريره الذي كان، أهي صدفة؟!

أتطلع الى الجدران..الطلاء أبيض، وكل طلاء المستشفيات أبيض، لا تعرف ان كان هذا لمداراة سواد الحزن الذي يطبق عليها دومًا ويترك آثره فى طلائها، أم أن الجدران عندنا فقط - في فلسطين - تكتسب لونها من زغاريد فرحة الإستشهاد.




الجمعة، ٨ أغسطس ٢٠٠٨

فليرحمهم الله..

أذكر ذلك اليوم بكل وضوح ,صباح الجمعة ذات يوم بارد كئيب , عندما أيقظتني أمي في فزع :
الحق ,بنت عمتك وولادها لسه ماجوش وبيقولوا فيه عبارة غرقت
قمت مفزوعا , لأتأكد أني لا أهذي , لأتأكد أنه ليس هناك خطأ ما في الأمر , مرت دقائق حتى استعدت توزاني , وعندما خرجت لأجد الأسرة كلها واجمة أدركت أن الأمر جاد الى درجة الموت ,بعد اتصالات مع السعودية اتضح الأمر , أصبح الموضوع قطعيا لا استئناف فيه ,بنت عمتي وبنتها وابنها على متن العبارة المنكوبة
أذكر أسود أسبوع مر علىَّ في حياتي , أذكر كل التفاصيل الدقيقة التي عشتها لحظة بلحظة
أذكر (أنس) الذي كان قطعة من روحي وبضعة منيِّ , أنس الصغير ذو الأربعة عشر عاما الذي – لأجل قدره – كانت هذه هى المرة الأولى في حياته التي سيزور مصر شتاءا ,كانت المرة الأولى..والأخيرة
أذكر عشرات الاقرباء الذين ذهبوا الى سفاجا من فورهم,الليالي الطويلة الباردة في الميناء في فبراير , أذكر دخولى المشرحة من أجل التعرف على الجثث , دعواتي من أجل أن أجد الجثة وسط أكداس الجثث الملقاة في ممرات المشرحة (أنس) الذي كان يملء الأرض مرحا ,أصبح جثة هامدة نحاول أن نتعرف عليها, أحاول أن أجدها وسط تلال الجثث
لم أنس حتى هذه اللحظة وقت أن عرضوا صور الجثث التي تم العثور عليها , كل صورة تمر أدعو الله أن يكون هو , وقتها هبط ضغطي بصورة مخيفة وضعف تنفسي وسال العرق البارد على جبيني , ارتجاف عضلات ساقي في توتر
أذكر ذلك الفتى الذي كان يبحث عن أباه وتصادف أن يجلس جانبي , ننتظر في هدوء ونعلم جيدا أن قضى الأمر
نتبادل الكلمات الوجيزة , تلك اللحظات العصيبة صنعت منه ومني رجالا قبل الأوان بكثير,علمتنا أن نكون أكثر هدوءا وحكمة , أن ننتظر في صبر, لا أذكر مسيحيا كان أو مسلما , قاهريا أم صعيديا , كل هذا لا يهم , عندما يصبح أقرب الناس اليك في عرض البحر تتلاشى هذه الفوارق , ان المصائب يجمعن المصابينا
هل جربت هذا الاحساس من قبل ؟ أنا جربته
أنت تحس بالألم لأن عزيزا عليك مصاب بوعكة , أنا كنت أتمنى أن أجد جثته !, كنت أتمنى أن أجده حيا , عرفت أن هذا صعب , قلت فليعد ميتا , عرفت أن هذا أصعب , لكنهم حرموني منه حتى من جثة أحملها بيدي , أصلى عليها صلاة أخيرة , حرموني من قبر أزوره أقرأ عليه الفاتحة في خشوع , كل شئ تحطم في لحظة عابرة.. في نزوة فاجرة
لازلت أذكر ثانية بثانية دخول شاحنة عملاقة تحمل الجثث القادمة توا من سفاجا , أذكر قيام الرجال مرة واحدة واحاطتهم بالعربة , تلك الدموع التي سالت في صمت , دموع رجال فوضوا أمرهم الى من لا يغفل ولا ينام, أذكر صراخ النساء الوحشي المتصاعد , الصراخ الذي يمزق نياط القلوب , كل منهم فقدت رجلا كان الأهم بحياتها , كل واحدة منهن يوجد بجانبها من يحتضنها في تلك اللحظة , أسمع عبارات مختلطة , (كفاية بقى يا أمه) , (شدي حيلك يا ستي الحاجة) , ( كان مكتوب لك فين دا يابني) ,( ربنا يقصف عمر اللي خدوك من حضني يا ضنايا) سأظل أحمل مرارة هذه اللحظة في حلقى حتى أموت , أذكر هذه اللحظة – حتى الآن - فتسيل دموعي في صمت
أذكر هذه الأيام بكل تفاصيلها وكأنها حدثت الأمس
الآن وبعد مرور عامين صدر الحكم ...براءة
في ذلك اليوم الأسود عندما سمعت الحكم احتشدت الدموع بعيني , 1034 مصريا ماتوا غرقا , هؤلاء المئات الذين عاشوا في الماء والظلام والبرد ساعات طويلة , من المسئول عن دمهم ؟ من سيعوضهم ؟ , من سيعوض (سحر) عن ابنتها الرضيعة التي حملتها على كتفها طيلة الليل وحينما ماتت الرضيعة تشبثت بجثتها وعندما أنقذوا الأم سقطت منها جثة ابنتها للأسماك ,من سيعوضها عن ابنتها يا سيادة القاضي, من سيعوض (محمد) عن زوجته وأبناؤه الأربعة الذين فقدهم دفعة واحدة. من سيعوض كل هؤلاء, من سيعوضني عن أسود أسبوع عشته في حياتي؟
سيادة القاضي , هل تذكرت يوم تقف بين يدي الله , وحيدا , وحيدا جدا , ماذا ستقول وهو الجبار المنتقم , بأى أساس تحكم بالبراءة , هذه الأرواح التي ذهبت هدرا , ماذا ستقول يوم ان تسأل بأى ذنب قُتِلَت ؟ , اذا كان الجميع براءة الا واحدا حصل على ستة أشهر , من الجاني اذن , هل نحن أولاد كلاب الى هذه الدرجة ؟
سيادة القاضي من أعطاك الحق في هذا الحكم ؟ ممدوح اسماعيل ليس ربا ليقتلني بمشيئته , ممدوح اسماعيل ليس الله حتى يأخذ أرواحنا كما يحب ويرضى ,سيادة القاضي.. نحن في عصر رئيس يقتلنا ليثبت أنه موجود
أذكر بوضوح عندما ظهر في( البيت بيتك) مع تامر أمين , تامر أمين الذي تعامل معه برقة شديدة , ممدوح بوجهه الخنزيري يكاد لولا الحياء يطالب بتعويض عن سفينته الغارقة , أذكر طاقم العبارة الناجي الذين وصفوا اللحظات الأخيرة والتمعت الدموع في عين كل منهم وهم يذكرون العشرات الذين فقدوهم وسط الامواج , من سيرد حق هؤلاء يا سيادة القاضي؟
من المسئول عن كل مرة تتساقط الدموع من عيني وأذكر مئات الشهداء , وأذكر أنس الصغير الذي مات في عرض البحر أصبح طعاما للأسماك, مات وحيدا غريقا خائفا في أسوء طقس ممكن وفي ليلة مظلمة , لم أودعه الوداع الأخير , لم ألقنه الشهادة, لم أسمع آخر كلماته , كان هنا وفي لحظة انتقل الى عالم آخر عند من لا ينسى ولا يظلم
وفي النهاية ...براءة
اذا كان هذا هو القانون , اذن طظ في القانون , طظ في أى قانون لا يعيد حقا الى أصحابه
أنا لا أؤمن الا بالقانون الأزلى العين بالعين والسن بالسن ومن قتل يقتل
طالما تمنيت أن يلقوا بذلك الحيوان في عرض البحر في نفس الظروف , لا , فليقوا بابنه وليعش طوال العمر بحسرته حتى أشفى غليلي
يا سيادة القاضي , منذ الآن أصبجت جلاد دنشواى الجديد, لقد حكمت بالبراءة , براءة شخص وادانة عصر بأكمله
عصر فقدنا فيه كل شئ , وفقدنا فيه القضاء العادل , فقدنا حائط الصد الأخير, فقدنا آخر شئ يحمينا في زمن الطوفان
اللهم اليك المشتكى
اللهم اني أشكو اليك قوما قتلونا وظلمونا
يارب ليس لنا ملجأ الاك
يارب لا تتركنا فرادى ضعفاء
يارب ليس لنا سواك
يارب , لاتتركنا في هذه اللحظات الصعبة
يارب لا تخذلنا
رب ان تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين
رب اني مغلوب فانتصر
فلتهنأ أيها الحيوان بالبراءة , أدعو من الله أن تموت من غيرأن ينفذ عليك حكم ,لا توجد أى محكمة على وجه الأرض تعيد من ماتو وتشفي غليلي , لذا فقد أجلت محكمتي الى يوم الدين , رفعت قضيتي عند اله عادل جبار منتقم شديد العقاب, محكمة لا تحتاج الى شهود نفى وثبات وأدله ومرافعات , وقتها فقط سأقول أني رضيت وأن الله يمهل ولا يهمل.

___________________________
بقلم صديقي العزيز الشاعر: محمد فوزي خلف

السبت، ٢ أغسطس ٢٠٠٨

أشياء تصنع أيامي..

صديقى وجاري العزيز الطبيب الصيدلي د. سامح عبد المنعم قال لي بعد أن رأى المدونة، وكنت قد أرسلتها له أثناء محادثة ماسنجرية عابرة، أنه قد فوجئ بأنني " عاقل الى هذه الدرجة "، وبغض النظرعن أن هذا اطراء مبالغ فيه، وبغض النظر أيضًا عن اقتراب هذا الإطراء من الصواب أو من الخطأ، فقد ضحكت ساعتها..
الا أن المفاجئة الكبري بالنسبة لى حين وجدت دعوة ، invitation، على موقع ال facebook الشهير منه للإشتراك فى مجموعة بعنوان " حزن يميل للممازحة "
قلت أنني لا أستحق، لكنه أخبرني - بلباقته المعهودة - أن هناك أشياءًا كثيرة " هايفة " تصنع لها مجموعات على ال facebook، ومدونتك لن تكون أخر هذه الأشياء..!
وضحك..
فضحكت وشكرته..
" حزن يميل للممازحة "