الخميس، ٢٣ أبريل ٢٠٠٩

يا صبح ورد وزقزقوا عصافيره..

ياربِ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
سعيد جدًا جدًا جدًا..
يكفي هذا الأن..

الثلاثاء، ٢١ أبريل ٢٠٠٩

ذكراك..

" ولئن حق لنا أن ندرس كل وجه من وجوه الشخصية الإقليمية.. الى أدق الدقائق، فحق علينا أن نتجاوزها الى أعلى الكليات وأعم العموميات، لنمسك روح المكان.. وتجسدها فى أحكام.. وتستقطرها فى معادلة.. أو ما يشبه ذلك "

د. جمال حمدان
___________________
17 عامًا من الغياب.. وما زلت فى قلوبنا



الثلاثاء، ٧ أبريل ٢٠٠٩

اليهود.. إعادة فتح باب الإجتهاد

".. ونموذج المؤامرة شائع فى الخطاب الإسلامي المناهض لإسرائيل. وهو يفترض وجود " استمرارية" بين يهود الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا هو جوهر الرؤية الصهيونية لليهود بالمناسبة. فى إحدى المحاضرات، قام أحد حملة هذا الخطاب وبيَّن لي أن " اليهود هم قتلة الأنبياء". فأخبرته أن المستوطنين الصهايتة لا يقتلون الأنبياء لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد أنبياء هذه الأيام، كما أنهم يقومون بقتل كل من يتصدى لهم، دون تمييز بين مسلم ومسيحي. وكنت مرة أجلس مع بعض صناع القرار فى العالم العربي ( من ذوي الإتجاهات الإسلامية) وتطرق الحديث الى اليهود، وبدأ بعضهم عملية السب نفسها ( التى هي فى جوهرها عملية " شيطنة " للآخر، لتحقيق بعض التوازن للذات). وتطرق الحديث الى يهود المدينة وخيبر "وتآمرهم"... إلخ. وكيف أن نفس التآمر اليهودي مستمر. فسألتهم: هل كان أولئك اليهود يعرفون التلمود؟ وبأي لغة كانوا يتعبدون؟ وما معنى أن بني قريظة وبني النضير من الكوهانيم ( أى الكهنة من نسل هارون)، مع أن نظام الكهنوت اختفى فى اليهودية بعد سقوط الهيكل عام 70 ميلادية؟ ثم أضفت سؤالاً عن موقف يهود العالم آنذاك من يهود المدينة، وهل كانوا على صلة بهم أم لا؟ وهل كانوا يعترفون بهم يهودًا؟ وهذا يثير قضية هل مصطلح ( يهودي) فى القرآن يشير الى يهود المدينة، أو الى يهود العالم المعاصرين للبعثة المحمدية، أو الى يهود العالم فى الماضي والحاضر والمستقبل، أى أنني أثرت تساؤلات بخصوص الإستمرارية التى يفترضونها.
ثم تساءلت: هل المسلم ملزم بالتعريف الإسلامي لليهودي ( من أهل الكتاب، يؤمن بكتاب مقدس، ومن ثم بالله وباليوم الأخر) أو بالتعريف اليهودي ( من يؤمن باليهودية ومن ولد لأم يهودية)؟ والسؤال طبعًا خطابي، فالمسلم ملزم بالتعريف الإسلامي وحده، ومن ثم فالغالبية الساحقة اليوم ليهود العالم لا ينطبق عليهم التعريف الإسلامي لليهود!
(
الأغلبية الساحقة ليهود العالم الأن ملاحدة أو على الأقل لا يكترثون نهائيًا بشعائر الديانة اليهودية وكذلك كان قادة الحركة الصهيونية الأولى مثل تيودور هرتزل وماكس نوردو)
ثم أشرت الى أن التاريخ الإسلامي عامل أعضاء الجماعة اليهودية من خلال مفهوم أهل الذمة، وأن تاريخ المسلمين لم يشهد عمليات هجوم أو إبادة أو طرد لليهود، وأن هناك أعدادًا كبيرة من اليهود دخلت الإسلام وحَسُنَ اسلامها وانصهرت فى صفوف المسلمين( وإلا فبم نفسر أن اليهودية كانت بالأساس ظاهرة شرقية إسلامية، توجد داخل العالم الإسلامي، ثم تحولت بالتدريج الى ظاهرة مسيحية؟). بل إن عمليات الطرد التى تمت فى بداية الحكم الإسلامي كانت نتيجة لخرق المواثيق مع المسلمين، وكانت تهدف الى تأمين قلب الأمة الإسلامية. كما أن عقاب الطرد لجماعة بدورية كان عقابًا مقبولاً لدى الجميع، وكان يعني إعادة التوطين فى منطقة أخرى.
وأخيرًا أكدت مفهوم الفطرة الإسلامي، وأن الإنسان يولد على الفطرة الإنسانية، بكل ما فيها من خير وشر، وأن أبويه يُهودانه أو ينصرانه، ومن ثم فمفهوم الهُوية كنتاج للوراثة، أمر غير معروف فى الإسلام، وحينما يتبناه التآمريون فإنهم يتبعون مفهومًا غير إسلامي. فمن منظور إسلامي، لا يمكن أن يؤخذ يهود اليوم بجريرة يهود الماضي، فالخطيئة - مثل الإستقامة - لا تورث. ولهذا نجد أن الخطاب القرآني لا يتحدث عن اليهود فى عموميتهم إنما دائمًا يخصص (" ومن أهل الكتاب... ").
فوجئت عند هذه النقطة بأن أحد الحاضرين يخبرني أن ما أقوله مقنع للغاية، لكن رجاني ألا أذكره خارج هذه الجلسة. فضحكت وقلت: أنت إذن تفضل الحكمة البراجماتية على الحكمة الإلهية. وانفض المجلس!
ثم طرحت اجتهادي الأولي ( والذي وافقني عليه كثير من الفقهاء) وهو أن مصطلحات مثل " يهودي أو " بني اسرائيل " تشير الى شخص تتوافر فيه بعض السمات التى لو توافرت فى أى شخص ( ملحدًا كان أم بوذيًا) فإنه يصبح يهوديًا (ولفظة " يهودي " بهذا المعنى لا تختلف فى استعمالها عن لفظة " فرعون"، والتى لا تعني "حاكم مصر" وإنما أى شخص تتوافر فيه سمات "الفرعنة").
وعلى كل فهذا اجتهاد أولي أطرحه كتساؤل على الفقهاء، حتى يُفتحباب الإجتهاد مرةً أخرى بخصوص هذه القضية. فالفقه الإسلامي، نظرًا لإستقرار وضع اليهود ( كأهل ذمة داخل المجتمع الإسلامي)، ونظرًا لعدم أهميتهم، ونظرًا لعدم توافر المعرفة الكافية بتطور اليهود واليهودية، لم يُتعمق فى الموضوع بما فيه الكفاية. والفقهاء كانوا على حق فى ذلك. فكل مجتمع يحاول أن يجيب على الأسئلة التى تهمه. لكن الوضع اختلف تمامًا الأن. فإشكالية اليهود أصبحت إشكالية مركزية."

________________________________
د. عبد الوهاب المسيرى
(رحلتي الفكرية.. فى البذور والجذور والثمر.. سيرة غير ذاتية غير موضوعية)

الأحد، ٥ أبريل ٢٠٠٩

تطور المجال الدلالي لمفهوم " الضرب فى المناطق الخِطرة" عند الشباب المصريين

حين كنا أطفالاً لم تكن أفكار اختزال الإنسان فى أعضائه الجنسية فحسب كانت قد وصلت مصر، أو كانت وصلت لكنها لم تصل الينا كأطفال نشأ أغلبنا فى بيوت
الطبقة المتوسطة المحافظة.
لكن تغير الأمر تقريبًا مع بداية مغادرتنا للطفولة ودخولنا مرحلة الصبا والمراهقة وانعتاقنا من مفرخة البيت.
وأظن أن هذا كان يوافق بداية المرحلة الإعدادية اذا قسناها بالعمر التعليمي
.
كنا أطفالاً تقريبًا، ولم نكن قد خرجنا لمواجهة الحياة والعالم وحدنا كما حدث فيما بعد، وكانت أقصى انحرافاتنا أن نقفز من فوق سور المدرسة كي نذهب الى محلات ال بلاي ستيشن ، وكانت منتشرة جدًا فى هذا التوقيت، وبالتأكيد وقتها لم نكن قد تعرفنا بعد على السجائر والشيشة
لكن.. أيضًا فى هذه المرحلة تبدأ معرفة الإنسان بأعضائه الجنسية، وفى خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر من ذلك التوقيت سيكون قادرًا على الممارسة الجنسية ( أتحدث هنا عن الذكور)، وفى ذلك الوقت، ككل وقت، كانت مفاهيمنا تعبر عن ادراكنا للعالم من حولنا.
حين كان أحدنا يعبث مع الأخر فيضربه فى " المنطقة الخِطرة" من جسده كولد كنا نضحك ونقول: حاسب.. ده مستقبل عيلة
بالتأكيد كنا وقتها نعلم عن هذه الأمور أكثر بكثير مما يتخيل أهلونا، لكن الملاحظ على الجملة السابقة أننا قد وضعنا العملية الجنسية فى سياقها الديني والإجتماعي
.والتاريخي السليم، مؤسسة الزواج
فالجنس فى هذه الحالة، وفى مفهومنا وقتها، تحول الى عملية فسيولجية مادية لكن لها بعد لها بعد أخلاقي، وانساني يرفعانها من الوحل، وهذين البعدين لابد وأن يدركا، وادراكهما، والوصول اليهما لا يتأتى الا فى حالة ممارسة الجنس عن طريق الزواج،
فهو اما أن يكون علاقة شرعية سليمة، واما علاقة أثمة، فلا توجد حلول وسط هنا.
لكن هذا المفهوم، للأسف، لم يستمر كما لاحظت فيما بعد.
فى مرحلة تالية ومع منتصف المرحلة الثانوية تقريبًا لاحظت أن أصدقائي قد تغيروا، كنا فى ذلك الوقت قد دخلنا الى عالم الانترنت والفضائيات وامتلك بعضنا تليفونات محمولة ، على المستوى الشخصي تأجل امتلاكي لتليفون محمول حتى أول سنة لدخولي الجامعة، ولقد أثر هذا جدًا على حواراتنا وكلامنا الذي يعبر عن مفاهيمنا الكامنة
كنا قد استوعبنا تمامًا فى منظومة الحداثة الاستهلاكية،( كان هذا انعكاسًا لأن البيت نفسه كان مستوعبًا داخل نفس المنظومة وانت كانت اهتماماته متغيرة بعض الشئ، كانت اهتمامات البيت متعلقة بأخر مسحوق غسيل وكيف أن الفنانة الفلانية قد انفصلت عن زوجها بعد فضيحة ما، فى الواقع نحن جيل لم يربى جيدًا، وفى كثير من الحالات لم يربى على الإطلاق) وأصبح هم أصدقائي الأكبر هو ماهي أخر موضة فى تسريح الشعر؟، هل رأيت فستان هيفاء الجديد؟
بالتأكيد اليسا نفخت صدرها حتى يخرج بهذه الصورة!
كليب عمرو الجديد فيه شوية حريم جامدة (....)، ولقد أثر ذلك جدًا، كما أسلفت، على كلامنا، (لدى أصدقاء لا يجتمعون الا للتحدث فى الجنس، الجنس أولا وأخيرًا، تحول الى قيمة مطلقة، لكنها مع ذلك قيمة مبتذلة، نتحدث عنها بأسوء المعاني، وأخبث النوايا)، وقياسًا على الموقف السابق حين يضرب أحدنا الأن فى " منطقته الخِطرة" أصبحنا نضحك ويقول له المضروب: حاسب.. عايزين نعمل بيه أي مصلحة
وهذا يعني أننا قد أخرجنا الجنس من سياقه الديني والإجتماعي والتاريخي السليم، وأبقيناه فى خانة الفعل الطبيعي، حركة مادية لإفراغ الشهوة، وهي عملية لا تحتاج الى " رجل " وامرأة"، بل الى " ذكر " و "أنثى" أى أننا قد ساوينا أنفسنا بالحيوانات.!
تحول الأمر الى هوس، استتبع ذلك أن المعرفة الجنسية أصبحت متاحة لسن أصغر بكثير مما هو معقول( لدي قريب طفل عمره 7 سنوات تقريبًا، فوجئت بأنه فتح معي مواضيع لم أعرفها ولم أفمهما الا حينما كان عمري ضعف عمره، لوحظ فى الولايات المتحدة أن علامات البلوغ الجنسي التى من المفترض أن تظهر عند سن ال 18 بدأت تظهر فى سن ال11 عند بعض الاولاد والبنات)
ما الذي حدث؟! وأثر على مفاهيمنا وادراكنا وتعبيراتنا الى هذه الدرجة؟!
أطلق على ما حدث مصطلح " اسقاط الرمزية"
فالجنس، اذا عرفناه علميًا بطريقة باردة محايدة، ما هو الا عملية فيسيولجية بين ذكر وأنثى تهدف الى الاستمتاع وافراغ الشهوة
لكن هذا التعريف " العلمي المحايد" يسقط تمامًا من حساباته الجانب الإنساني للعملية الجنسية، ذلك الجانب الذى نعرفه نحن كبشر، وهو أن الجنس لا يمارس الا من خلال مؤسسة الزواج، من خلال علاقة شرعية، وهذا أحد أسباب تميزنا عن الحيوانات..
وما حدث لأصدقائي هو ما حدث لكل الشباب المصريين ، فبعد أن كان الجنس منطقة محرمة، لا وجود له خارج مؤسسة الزواج، أو كان أى وجود له خارج مؤسسة الزواج يعتبر جرمًا لا يغتفر، وأى حديث عنه هو من قبيل " قلة الأدب" فوجئ الجميع بالقصف الجنسي الثقيل الموجه الذى نتعرض له يوميًا كشباب فى كل مكان تقريبًا، أصبح جسد المرأة، وبالتالي امكانية ممارسة الجنس معها، بعد أن كان الوصول اليه مستحيلاً تقريبًا أصبح من أسهل ما يمكن
ولا ريب أن التابعي الذي رأى ذات يوم " كعب امرأة " كانت تسير أمامه فى السوق بطريقة لا ارادية فاستغفر وقال: هذا زمان فتن كان يمكن أن يسقط مغشيًا عليه من الذهول اذا جاء الى زماننا هذا..
ليس الجانب المعنوي فقط هو المستفاد من قصة هذا التابعي، لكني أجزم بأن تأثير " كعب المرأة" عليه فسيولجيًا كان كاسحًا
ما حدث هو أننا أسقطنا تمامًا رمزية العملية الجنسية باعتبار الجنس شيئًا عاديًا، وباعتبار المرأة جسدًا يمكن الوصول اليه بمنتهى السهولة، وليس بكلمة الله كما هو التعبير النبوي العبقري، ففى المنظومة الأخلاقية الإنسانية نحن لا نستحل فروج النساء الا بكلمة الله/ المطلق/ المقدس، بعهد نقطعه على أنفسنا فى بيته، وأنا قصدت أن أعبر عن ذلك بالمنظومة الأخلاقية لأن هذا أمر مشترك بين كل الأديان
وتتم عملية " اسقاط الرمزية " تلك عن طريق عدة عمليات بنيوية تدريجية شديدة الذكاء، فالهدف كان تغيير عقلية مجتمع وهذا لا يتم بين ليلة وضحاها ،وحن نذهب الى أن" الفن" بالصورة التى هو عليها الأن هو أحد أهم أسباب التغيير، فالفن فى المصطلح الحديث أصبح كيانًا مكتفيًا بذاته، تنبع قوانين فهمه من داخله، لا تستطيع أية منظومة أخلاقيه أو قيمية أن تتحكم فيه، وأن تحدد له مساره واتجاهه وهدفه، فالفن للفن كما عبر أوسكار وايلد، والسينما لا يجب أن يتحكم فيها أى معيار أخلاقي كما عبرت المخرجة الشهيرة ايناس الدغيدي، وبالتالي قياسًا على كلام - المخرجة الشهيرة، يصبح الفن الهًا مكتفيًا بذاته، ويصبح المخرج – فى فن السينما – هو كاهنه الأعظم، وبالتالب فله الحق فى أن يفعل ما يشاء لأنه يتحرك بوحي من
الإله، ولتذهب كل المنظومات الأخلاقية الخارجية الى الجحيم
أحد أهم الأسباب الأخرى المهمة مسألة " الحداثة الإستهلاكية " عن طريق الإعلانات، فالفن غالبًا ما يقدم عن طريق شاشة ( شاشة سينما/ تليفزيون/ كمبيوتر)، ونحن نذهب الى أن الجوهر الأساسي لفكرة الشاشة هو التحكم الكامل فى المتلقي وبالتالي صياغة أحلامه وأماله وطموحاته، والشاشة الى ذلك صفة هامة جدًا من صفات المجتمعات " الحديثة " لا حظ شوارع نيويورك، هذه الشوارع يسير فيها بشر متحكم فيهم كليًا، وتعاد صياغة أحلامهم وأمالهم الاستهلاكية مرتين كل عام حسب ما يأمر اله الموضة، وبالتالي فالشاشة تقدم الى جانب " الفن " الإعلانات الاستهلاكية،( تحول الأمر على بعض القنوات الفضائية الى جنون حقيقي، فتستطيل مدة المسلسل مثلا من ساعة الا ربع الى ساعة وكسور)، والإعلانات الأن لا تتحدث الا من خلال الجنس، فهناك ادراك كامن فى عقول صانعيها بأنه لا يحرك الإنسان الان سوى غريزته الجنسية، وعلى ذلك فاذا استعملتي مسحوق الغسيل هذا إن رائحة ملابسك ستكون أحلى وبالتالي جاذبيتك الجنسية ستكون أكبر، أما انت فاذا اشتريت هذا النوع من الشيكولاتة فانه سيجعل كل البنات " تتهبل عليك"، فى الواقع لا أدري الى أى حد تبلغ " هيافة " البنت التى تعجب بولد لمجرد أنه يأكل شيكولاته من نوع معين.. وهكذا
ومسألة " اسقاط الرمزية " هذه نمط كامن فى أى توجه نحو نقل المحرم أو المقدس من مكانه الأصلي الى خانة المعتاد والمبتذل
ولنا أن نلاحظ أن الأمر قد تم بالصورة نفسها فى قضية الحجاب أيضًا..
فبعد أن كان الحجاب رمزًا للهوية والإنتماء والمرجعية، مقدسًا لا يمكن الحديث بشأنه، يخرج الينا البعض، غالبًا يكون قد درس فى الخارج وانبهر به الى حد التقديس، ليتكلم فى مسألة الحجاب، فى البداية يكون الحديث من منظور أن هذا دلالة على التخلف، والحجاب حجاب العقل، لكن الأسوء لم يأتِ بعد، فى "مرحلة تالية، يتحول النقاش الى محاولة الاتيان " بدليل شرعي لاثبات أن الحجاب ليس فرضًا الهيًا على المرأة المسلمة، ويخرج لنا عبقري كالمستشار محمد سعيد العشماوي ليخبرنا أنه لا يوجد حجاب ولا يحزنون، وأن المسلمين كانوا " بيشتغلوا نفسهم" طيلة أربعة عشر قرنًا، ثم تأتي الصحفية اقبال بركة لتخبرنا أنها ستظل طوال عمرها تحارب الحجاب ( ربنا معاها)
وهكذا.. يتحول الحجاب من مقدس الى موضوع متداول قابل للأخذ والرد، ويتدنى من منزلته كأمر الهي الى مجرد " غطاء للرأس"
توصيف بارد محايد لا يحمل أية دلالة دينية أو أخلاقية، ولا يلزم المرأة بأى شئ.
الكارثة الأكبر هنا أن عملية اسقاط الرمزية عن المقدسات تتم باستخدام مصطلحات غاية فى البراءة،
فهدم المرجعية العامة للمجتمع يصبح " نقد الذات"، لكن نقد الذات يتحول الى جلد ذات وهدم لهويتها ومرجعيتها، وكأن هناك مجتمعًا فى التاريخ – مهما كانت درجة الحريات المتاحة داخله - يقبل أن تناقش مرجعياته النهائية أو أن تصبح محلاً للأخذ أو الرد، ، حتى ولو كانت هذه المرجعية طوطمًا لقبيلة بدائية داخل أكثر أحراش أفريقيا ظلمة، أو كانت المرجعية العلمانية فى فرنسا.
والإنبطاح أمام الغرب يتحول بقدرة قادر الى " التواصل مع الأخر" ولا أعرف أى تواصل هذا الذى يعني انبطاحًا كاملاً وتوسلا الى الأخر بكل مقدساته أن ينقل الينا هويته ومرجعيته وتجربته التاريخية.
ولعل هذا يفسر لماذا تحولنا الى مسوخ