السبت، ٢١ فبراير ٢٠٠٩

تجلي..


﴿ قال بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾


الأربعاء، ١٨ فبراير ٢٠٠٩

من مقدمة د. عبد الوهاب المسيرى لحزب الوسط الجديد

.. وانطلاقا من فكرة المشترك الإنساني والتعددية والخصوصية التي تشكل اللبنة الأساسية في منظومة الحزب الفكرية بذهب برنامج الحزب إلى أن الإسلام هو "المرجعية النهائية للمجتمع المصري" . وهذه العبارة تحتاج إلى توضيح ، إذ يرى البعض أن الحديث عن الإسلام كمرجعية نهائية هو دعوة إلى العودة إلى الحكومة الدينية وحكم الكهنوت وما شابه من مخاوف . وما غاب عن هؤلاء أن أي مجتمع ، بما في ذلك المجتمعات العلمانية ، رأسمالية كانت أم اشتراكية ، دبمقراطية كانت أم شمولية ، تتحرك في إطار مرجعية نهانية ما ، فبدون هذه المرجعية لا يمكن للمجتمع أن يحدد أولوياته أويسير أموره لأنه سيفتقد المعايير التي يمكن أن يحكم بها على ما يحيط به من ظواهر ومايقع حوله من أحداث . ففي الاتحاد السوفيتي السابق كانت مصلحه الطبقة العاملة والفلسفةالمادية هي المرجعية النهائية ، وباسم هذه المصلحة وباسم هذه الفلسفة تمت مصادرة ملكية صغار الفلاحين وصغار التجار حتى لا تظهر طبقة تتناقض مصالحها مع مصالح الطبقة العاملة (التي أصبحت تدريجيا مصلحة بيروقراطية الحزب الحاكم) . والمرجعية النهائية في الولايات المتحدة هي الملكية الفردية والفرد المطلق وحرية رأس المال وصيغة معلمنة من المسيحية . وهي في فرنسا تقريبا نفس الشيء في إطار قانون نابليون . أما في الدولة النازية (العلمانية المادية) فالفلسفة العرقية المادية التي تصنف البشر حسب لون البشرة وحجم الجمجمة ، أي حسب صفات مادية كامنة فيهم ، كانت هي الإطار المرجعي النهائي (ألمانيا فوق الجميع بسبب تفوق الجنس الآري – المنفعةالمادية هي المعيار الوحيد) . والدولة الصهيونية (أو اليهودية كما تزعم) فمرجعيتها هي المرجعية المادية بعد أن اكتست برداء يهودي (اليهود لهم حقوق مطلقة في فلسطين بسبب تقدمهم وتفوقهم الحضاري وانتمائهم للتشكيل الحضاري الغربي ولأنهم شعب واحد مختار) .

المرجعية النهائية إذن أمر حتمي ، ومن لا يقرر لنفسه مرجعيته النهائية سيقررها له الآخرون ، أو سيتبنى بدون وعي مرجعية ما دون إدراك لتضميناتها بالنسبة له . وإذا كان الحزب يؤمن بالمشترك الإنساني ويؤمن بأن العملية السياسية والعمليات الاجتماعية لا يكمن أن تكون منفصلة عن القيمة فإنه يرى أن تقرير مرجعية مجتمعنا لابد وأن تتم بشكل واع ونابع من واقعنا وثفافتنا وسماتنا وطموحاتنا ومثالياتنا (خاصة في المرحلة الراهنة حيث تحدث طيلة الوقت اختراقات فكرية وثفافية كثيرة لوجداننا ورؤيانا) ، إذ ليس من المتوقع أو المنطقي أو الممكن أن نترك مجتمعنا بلا مرجعية أو نستورد مرجعية من الخارج .

لكل هذا يذهب مؤسسو الحزب إلى أن طريق الإصلاح الذاتي "ينبني على قيمنا الحضارية وخصوصيتنا الثفافية المستمدين أصلا وأساسا من الدين الذي يؤمن به المصريون كافة ، إسلاما كان أم مسيحية . وهم يرون أن مرجعية الإسلام العامة في هذا الوطن محل احترام بنيه أجمعين ، فهي بالنسبة للمسلمين مرجعية دينهم الذي به يحيون وعليه يموتون ويبعثون ، وهي بالنسبة لغير المسلمين مرجعية الحضارة التي بها تميزت بلادهم ، وفي ظلالها أبدع مفكروهم وعلماوهم وقادتهم ، وبلغتها نطق وعاظهم وقديسوهم ، ولهم في إنجازاتها كلها دور مشهود وجهد غير منكور . ولذلك فإن السعي – بالوسانل الديمقراطية – إلى تطبيق المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" ، سيكون عملا أساسيا يضعه الحزب في مركز اهتمامه" .

والشريعة الإسلامية كمرجعية نهانية لا تستبعد أحدا "فالإسلام قرر وحدة "الدين" في أصوله العامة ، وأكد على أن شريعة الله تعالى للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان والعمل الصالح والإخاء ، وأن الأنبياء جميعا مبلغون من الله ، وأن الكتب السماوية جميعا من وحيه ، وأن المؤمنين جميعا في أية أمة كانوا هم عباده ، وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده ويتناقض مع غايته ومقاصده" . ومن هنا يرى الحزب أن "الرقابة الروحية" والوصاية على الضمير والمعتقد الديني إهانة لكرامة الإنسان ، وإهدار لحقه في الحرية ، بل وتعدي على إرادة الله سبحانه وتعالى .

والشريعة كمرجعية ليست مجرد نصوص تتلى أو أحكام يتم تطبيقها أمام المحاكم ، فالمسألة أعمق من هذا بكثير . فالشريعة منظومة قيمية ومعايير مرجعية يهتدي الناس بهديها في سلوكهم أمام القانون ، وأمام أنفسهم في حياتهم العامة والخاصة ، والشريعة كمرجعية لا تعني أنها مجموعة من القيم الساكنة وإنما هي عملية متحركة حية تهدف إلى تحقيق المقاصد العامة للشريعة من حرمة النفس الإنسانية وحفظ العقل وتفعيل دوره في الحياة وحرية الاعتقاد وحرمة المال العام والخاص وصيانة العرض وكرامة الإنسان .

وحينما يطرح مؤسسو الحزب الشريعة كمرجعية نهائية فإنهم يسعون إلى جعلها متفاعلة مع جوانب الحياة جميعا ووضعها موضع التطبيق عن طريق تخير الاجتهادات التي لا تصيب حركة المجتمع بالشلل ، وهي اجتهادات بشرية تستضيء بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها الأساسية ، ولكنها تظل اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ ، وقابلة للأخذ والرد والنقد والمراجعة ، كما أنها قابلة أيضا لإعادة النظر والتغير من زمان لزمان ومن مكان لمكان .

وفي محاولة أولية لتطبيق مفهوم الشريعة كمرجعية نهائية لأبناء المجتمع ككل ، يقرر برنامج الحزب أن مفهوم المواطنة هو الضابط الأساسي في العلاقة بين أبناء الوطن الواحد ، فمن حق المواطن المصري المسيحي أن يتولى أي منصب مثل أي مواطن آخر ، أي أنه يستطيع أن يكون قاضيا أو رئيسا للجمهورية . كما يؤكد الحزب أن تطبيق العدل والمساواة وتطبيق الشورى والديمقراطية والحرية هي عناصر الشريعة ، أما النظام العقابي في كل الدنيا ، فهو خاضع للنقاش .

ويرى مؤسسو الحزب أن الخطاب الديني السائد في مصر منذ فترة طويلة يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح أساليبه وتجديد مضامينه وتنحية المفاهيم السلبية واللغة الاعتذارية والمعاني الانعزالية التي يحتويها ، وذلك بهدف استيعاب متغيرات الواقع ، وتفعيل "دور الخطاب الديني في مواجهة المشكلات التي يعاني منها المجتمع وبخاصة فئة الشباب ، كما أن هذا التجديد يجب أن ينعكس بشكل إيجابي على مكانة المؤسسة الدينية (الأزهر – الكنيسة) ودورها في جهود التنمية والإصلاح الاجتماعي العام . وهذا التبني من قبل المؤسسين ليس جديدا ولا مرتبطا بدعوات حديثة قادمة من الخارج ولكنها دعوة قديمة ومتأصلة تبناها المصلحون والمفكرون قديما وحديثا ، لأنه واجب ديني ووطني لإدراك الواقع والتفاعل معه وتطويره بما يخدم مصالح الأمة ولايصطدم بغير مبرر مع العالم" .

هذه هي الأسس الفكرية التي ينطلق منها برنامج الحزب وبقية البرنامج إنما هي تبد لهذه المنطلقات .

ففي المحور السياسي يؤكد البرنامج أن الشعب هو مصدر السلطات التي يجب الفصل يبنها ، واحترام حق التداول السلمي للسلطة ، والمواطنة كأساس للعلاقة بين أفراد الشعب المصري ، وحرية الاعتقاد الخاص ، وإقرار التعددية الفكرية والسياسية ، وتنظيم ومراقبة السوق لحماية الضعفاء في إطار القانون ، وحماية حقوق العمال والمستهلكين ، وقيام الدولة بدور نشط في مجال الإنتاج والاستثمار في المجالات الأمنية والاستراتيجية . أما في المحور الاقتصادي فيقرر البرنامج أن الانطلاق الحقيقي للاقتصاد لا يتحقق إلا بتوافر الثقة ، وإزالة معوقات الاستثمار كافة ، وحرية القطاع الخاص ، وتحديد الأولويات الاستثماريه . وفي المحور الثقافي ثمة تأكيد على المشترك الإنساني ، وضرورة الانفتاح على كل الحضارات ، بما في ذلك الحضارة الغربية ، مع التأكيد على ضرورة التوجه شطر الحضارات الشرقية المجاورة فهي حضارات عريقة وثرية ، تحوي رؤية للطبيعة والإنسان تتفق مع كثير من عناصر رؤيتنا العريبة الإسلامية .

كما يؤكد برنامج الحزب ضرورة أن يكون الفن متحررا ومنفتحا . ولكن هذا لايعني أن الإبداع أمر مطلق لا علاقة له بالمجتمع أو بالقيم الإنسانية أو الأخلاقية ، ولذا لابد من التوازن بين تشجيع الآداب والفنون والإبداع من ناحية ، والالتزام بقيم المجتمع وثوابته من ناحية أخرى .

إن نظرت إلى تفاصيل برنامج الحزب ستجد أنه يحاول دائما أن يجد النقطة التي يتلاقى ويتقاطع فيها العام (المشترك الإنساني) مع الخاص (الهوية – الخصوصية – اللغة العربية) ويتلاقى فيها الفرد (القطاع الخاص – الإبداع – تشجيع الاستثمار) مع المجتمع (القيم الأخلاقية – حماية الضعفاء – ترتيب أولويات المجتمع) . هذا هو النمط العام والمتكرر الذي يضفي وحدة فكرية على برنامج الحزب رغم تعدد وتنوع تفاصيله . ومع هذا وجدت أنه من الضروري أن أشير إلى ثلاث نقاط تعبر – شأنها شأن كل تفاصيل البرنامج – عن المرجعية النهائية الإسلامية وعن نقطة التلاقي بين العام والخاص ولكنها ذات أهمية خاصة ، ولذا تسحق أن أتناول كل واحدة منها على حدة .

أول هذه النقاط انتماء مصر العروبي الاسلامي ، وهو ما يتبدى في موقف الحزب من مشاريع الوحدة العربية المختلفة بما في ذلك مشاريع السوق العربية المشتركة . ولعل موقف الحزب من القضية الفلسطينية يبين هذا التقاطع والتقابل بين العام والخاص بشكل متبلور، فقد جاء في برنامج الحزب "أن المسئولية عن القضية الفلسطينية – الى جانب مسئولية الشعب الفلسطيني – هي أيضا مسئولية عربية تخص كل العرب ، وهي كذلك مسنولية العالم الإسلامي ، بل مسنولية الأحرار في العالم كله ، فهي قضية ذات بعد إنساني تهم كافة شعوب العالم نظرا للمعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني" . وانطلاقا من هذا يؤكد برنامج الحزب حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة ، بما فيها القوة المسلحة ، وحقه في تقرير مصيره وحق العودة للاجنين الفلسطينين ، وهي كلها حقوق نصت عليها المواثيق والمقررات والأعراف الدولية والإنسانية والشرانع السماوية .

وثاني النقاط التي أود الإشارة إليها باعتبارها تبديا لنقطة التلاقي والتقاطع بين العام والخاص هو ما يشار إليه في البرنامج بأنه إدماج الاخلاق في سياسات الإصلاح . وعملية الإدماج هذه هي نتيجة منطقية للالتزام بالمرجعية النهائية الإسلامية ورفض فصل القيم الاخلاقية والإنسانية والدينية عن رقعة الحياة العامة . والاصلاح الاخلاقي – في نظر المؤسسين – يجب أن يتأسس على المبادىء والقيم الاسلامية التي تحض على مكارم الاخلاق وفضائل الأعمال ، وهو بهذا المعنى يمتد إلى البحث في كيفية إعادة الفاعلية إلى منظومات القيم والمعايير الفردية والجماعية السائدة في مجتمعنا المصري . والإصلاح الاخلاقي يعني بتقييم وتقويم السلوك من منظور صواب الأفعال أو خطنها ، جوازها أو عدم جوازها ، ويعتمد أول ما يعتمد على قوة الوازع الداخلي إلى جانب المناخ الملائم والقانون العادل والمؤسسات الفاعلة ، فالإصلاح الأخلقي له جانب ذاتي وجانب موضوعي مؤسسي . هذه الثنائية تعبر عن نفسها في جانب آخر وهو الإصرار على القدوة والشفافية . فقد ورد في برنامج الحزب "أن المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية مهما كان نبلها وسموها تظل قليلة التأثير في الواقع ما لم تتجسد في قدوات حسنة يقتدي بها جموع المواطنين على كل مستوى من المستويات ، على أن يجري دعم هذا التوجيه بمجموعة من إجراءات الشفافية (مثل إعلان الذمة المالية ، ومصادر الدخل قبل تولي الوظائف العامة أو الولايات النيابية وبعدها ..) وغيرها من الإجراءات التي تبرهن على صدقية هذه القدوات الحسنة ومن يليها من المقتدين بها في مختلف مواقع المسئولية .

والنقطة الثالثة المهمة هو موقف الحزب من الدولة المركزية التي تجمع السلطة في يدها وتهمش الأطراف . فمن الواضح أن برنامج الحزب يرفض مثل هذا المفهوم للدولة الذي ثبت فشله (ولعل سقوط الاتحاد السوفيتي أكبر دليل على هذا ، كما أننا في مصر قد جربنا فكرة الدولة المركزية هذه في الستينات ، ورغم كل إنجازاتها ، إلا أنها في نهاية الأمر عجزت عن مواجهة الاستعمار الصهيوني ، كما عجزت عن حماية إنجازاتها في عصر الانفتاح والرأسمال الحر) . يطرح الحزب تصورا مختلفا يحجم دور الدولة المركزية ويفعل دور كل قطاعات الشعب . ولعل أهم الآليات في هذا المضمار هو الإصرار على أن الشعب هو مصدر السلطات ، أي أن الديمقراطية هي الإطار الوحيد السليم لإدارة المجتمع . والديمقراطية تجعل من اتخاذ القر ار مسألة مركبة تتطلب مشاركة الجميع فيها . ومن الآليات الأخرى تجديد ثقافة العطاء والعمل التطوعي ووضع برنامج لنشر هذه الثقافة وتعميمها وتشجيع الوقف الخيري ، والمؤسسات الأهلية (بما في ذلك مؤسسة أهلية لجمع الزكاة وإنفاقها وتقديم التيسيرات والإعفاءات اللازمةلإنجاح تلك المؤسسات) . كما أن تفعيل القنوات الديمقراطية الشرعية يعني ثشجيع النقابات المهنية والحرفية على التحرك والتعبير عن مصالح ومطامح أعضائها الذين يشكلون غالبية الشعب . كل هذه الآليات من شأنها أن تضع حدودا على سلطة الدولة دون أن تلغيها أو تقوضها ، بل إنها تجعل الدولة قادرة على الاضطلاع بمسئولياتها على أكمل وجه ، فهي ستكون دولة منفتحة على مؤسسات المجتمع المدني التي تحس بنبض ومطالب الجماهير بشكل مباشر لا يمكن أن يتوفر للنخب أو البيروقراطيات المركزية الحاكمة .

هذا هو الإطار العام لبرنامج الحزب وهذه هي منطلقاته وركائزه الفكرية وهذه هي بعض تبدياته ، فالبرنامج يحوي العديد من التفاصيل والمجالات التي لم نتعرض لها في هذه المقدمة ، ويمكن للقارئ أن يعود إليها للاستزادة وليرى بنفسه مدى ارتباط التفاصيل الجزئية المتنوعة بالكليات والركائز .

ولعله من الضروري أن نؤكد في النهاية أن البرنامج يطرح نفسه لا باعتباره وصفة لحل كل المشاكل ودواء لكل داء وإنما يطرح نفسه باعتباره اجتهادا أوليا ونقطةانطلاق . ومن خلال الممارسة اليومية سنكتشف أن ثمة مجالات لم نتطرق إليها في برنامجنا رغم أهميتها ، وأن بعض مقترحاتنا قد جانبها الصواب ، ولذا من المتوقع تعديل كثير من تفاصيل البرنامج حذفا وإضافة وإعادة صياغة داخل إطار منطلقات الحزب وركانزه الفكرية . والله أعلم .

د. عبد الوهاب المسيري
القاهرة في 25 / 8 / 2004

الخميس، ١٢ فبراير ٢٠٠٩

اجتماعيات..


هذه ليست تدوينة معتادة..
أو هي معتادة بالنسبة للأونة الأخيرة.. يبدو أن المدونة قد تحولت الى صفحة اجتماعيات فى جريدة من كثرة ما دونت بها عن مناسبات حدثت فى الأونة الأخيرة..
لدي هذه المرة ثلاثة أخبار فى غاية الجمال..
الأول يتعلق بالبشمهندز/ عمرو الشرنوبي..
صديقي العزيز وأستاذي الذي يدربني على احتراف نظام التشغيل linux، فقد قضى الله أن تكون الجمعة الماضية هي أخر أيامه مع العزوبية العزيزة، وقرر وهو بكامل قواه العقلية للأسف أن يدخل قفص الزوجية، وقد اختار وأحسن اختيار رفيقة حياته وعمره المديد باذن الله الأنسة دعاء فتحي خيرة بنات ألسن عين شمس..

بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير

الخبر الثاني أن صديقي العزيز د. أنس خالد، بعد أن استخار الله، وفكر وقدر، قرر أن يختار نفس يوم عقد قران عمرو ودعاء ليعلن خطبته للد. مي البكري ليعلن بذلك عن فرحة جديدة، ولتدوي زغرودة جديدة فى أسماع جموع أعضاء منتدى شمساوي العظيم.

بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير

الخبر الثالث يتعلق بالكوفيد!، والكوفيد لمن لا يعلم هو عادة تمارسها القبائل البدائية فى أمريكا الجنوبية وتقضي بأن ينام الزوج الذى ولدت زوجته فى الفراش بدلاً منها ويظل يدعي التلوي من آلام الولادة لمدة شهر مع أكله للرز المملح فقط حتى اذا هاجمت الشياطين ظنته هو المرأة، وبالتالي فهو أقدر على مواجهتها منها.
حسنًا..
لقد مارس معي صديقي العزيز جدًا الشاعر الموهوب جدًا محمد فوزي شيئًا مماثلاً طيلة 9 أشهر، ولا أعني بهذا طبعًا أنى قد ولدت، الا أنه بوقوفه الى جواري فى محنتي الأخيرة أزاح عني الكثير من الألم، وأرشدني الى مواطن قوتي، فله مني جزيل الشكر، ومن الله جزيل العطاء.
يحتفل محمد هذه الأيام بعيد ميلاده لذا..
كل سنة وانت طيب يا محمد

الجمعة، ٦ فبراير ٢٠٠٩

اشكالية الفن.. تحليل النموذج الكامن

1- تبسيط المفاهيم:
باختصار شديد: تقوم فكرة "
الحداثة المنفصلة عن القيمة " على افتراض أن الإنسان - عقله الطبيعي/ المادي تحديدًا - هو مركز الكون من بين عناصره الثلاثة (الإله - الطبيعة - الإنسان )، مع استبعاد الإيمان بكل ما هو خارج عن نطاق ذلك العقل / الطبيعي ، كفكرة الإله المفارق المتجاوز للتاريخ والطبيعة مصدرًا للأخلاق والقيمة والمعيارية والغاية والهدف، وكل تلك الأمور الخارجة عن نطاق القياس المادي الرياضي الصارم!
وبالتالي فقد أصبح العقل الطبيعي/المادي هو مصدر الأخلاق والمعيارية والغاية والهدف، دون الحاجة الى أى مصدر أخر للمعرفة خارج حدود الحواس الخمس، كالوحي الإلهي مثلاً، لأنه أمر خارج عن حدود المادة فلا يمكن قياسه وبالتالي لا يمكن الإعتراف به!
وللتبسيط.. يمكننا فهم هذا المصطلح اذا تخيلنا سيارة تخرج من أسوان وتسير بطول الوادي شمالاً الى القاهرة، هذا يعني أن السيارة لها بداية ( أسوان )، ولها هدف نهائي ( القاهرة)، وتمتلك خطة للوصول اليه ( السير بطول الوادي شمالاً).
وفى المقابل دعونا نتخيل سيارة أخرى خرجت من أسوان، ثم شمالاً بطول الوادي الى القاهرة ومنها الى الإسكندرية، ثم عبرت البحر المتوسط الى إيطاليا، ومنها عبر أوروبا الى القطب الشمالي، ومنه الى القطب الجنوبي، وهكذا!
السيارة الثانية تمثل مفهوم " الحداثة المنفصلة عن القيمة "، وهي سيارة غبية هدفها المجرد والنهائي هو السير وليس توصيل الناس.
وإشكالية " الحداثة المنفصلة عن القيمة "، إشكالية وقعت فيها الفلسفة الغربية حين نحت الإله/المطلق/الأخلاق/ الغاية/المعيارية عن مركز الكون، وفوجئت بعد ذلك بأن العقل الطبيعي المادي وحده غير قادر على تحديد هدف للحياة، ولا قيمًا تحكم توجه هذا الهدف، فجعلت التقدم فى حد ذاته هدفًا نهائيًا!
ولنتذكر مثال السيارة التى تسير بغير هدى، سيارة هدفها السير فقط!
فكرة شديدة العبثية والسخافة بالطبع..!
بالتالي تصبح حركة الإنسان عشوائية مادية بحتة، غير واضحة الهدف ولا حتى المعالم، بالضبط كما هي حركة الإلكترونات حول الذرة، وليحاول أى حد أن يمسك بالكترون ثم يسأله ما هو الهدف من دورانك الأبدي حول نواة الذرة ولينظر بم سيجيبه!
ونتج عن الإيمان بأن العقل الطبيعي المادي هو وحده المطلق، أعلن نيتشه وقتها ما أطلق عليه " موت الإله، أن انفصلت كل مجالات الحياة بالتالي عن القيم والغائيات الأخلاقية بمصدرها الإلهي الذي أعلن نيتشه موته، وأصبحت خاضعةً فقط للقوانين الكامنة فيها، تستمد معياريتها من ذاتها!، فيحكم على المجال الإقتصادي بمعايير إقتصادية فقط، والمجال السياسي بمعايير سياسية فقط، والمجال الفني بمعايير فنية فقط!
ما يهمنا هنا هو المجال الفني..
فى أحد مشاهد فيلم " بحب السيما " يُسقط الطفل " نعيم " صور السيدة مريم على الأرض ليكتشف أن أمه (ليلى علوي)، الفنانة التشكيلية السابقة، قد رسمت على ظهرها صورًا عارية، يدخل فى هذه اللحظة الأب (محمود حميدة) المتزمت دينيًا ليجد هذه الصور فيغضب غضبًا شديدًا ويصرخ وهو يمزق تلك الصور:
ده حرام، فتصرخ فيه الأم: " حرام عليك ده فن "!
تلخص كلمة " ده فن " كل شئ من وجهة نظري، والمفهوم الكامن ورائها أوضح من أن يوضح، فالفن أصبح قيمة مطلقة يستمد معياريته من ذاته، بعيدًا عن أى مطلق ميتافيزيقي خارجي يحكمه ويوجه حركته، الأخلاق مثلاً، لكن الفن فى حد ذاته مطلق ميتافيزيقي غير قابل للقياس المادي الصارم، وبالتالي كان طبيعيًا أن يسقط لتحل محله المادة ( الجنس/ المال)، وهو ما نلمسه بشدة الأن فى كل الأغاني والأفلام والرسومات والكتابات والأعمال (الفنية) الهابطة التى تنزل علينا كالصواعق كل يوم!
وفى داخل الإطار المعرفي يصبح مفهومًا بل ومقبولاً أن يكون أمر المخرج مقدمًا على نهي الله (المطلق الذي تم قتله
وأن يصبح التعري للضرورة (الفنية) أهم من الإحتشام للضرورة الدينية،
وأن يصبح جلوس الفتيات عاريات ( " الموديلز" وهي تسمية فى غاية الحقارة والإهانة للمرأة) أمام الرسامين الذكور كي يدرسوا عليهن تشريح الجسد أمرًا طبيعيًا ومستساغًا، فكله فى النهاية " فن "!
** ** **
2- أغنية: In Da Club نموذجًا:
نعيش الأن عصر " ما بعد الحداثة "، وهي مرحلة تاريخية بدأت مع نهاية الستينات من القرن الماضي، وتتميز بعدة سمات يمكن استبيانها من خلال تحليل بسيط لأغنية In da club، فنحن نذهب الى أن " فن " كل عصر يحمل سماته ومفاهيمه ورؤيته لذاته وللكون.
وقد اخترت هذه الأغنية بالذات لسبيين:
الأول هي أنها تقريبًا تحمل كل سمات حضارة عصر ما بعد الحداثة.
الثاني هي أنها أغنية شهيرة جدًا مما يسهل على كل من يقرأ أن يجدها ويحللها معي.
ولنبدأ بالتعريف..
أغنية In da club أحد أشهر أغاني مغني الراب الأمريكي 50cent، وتُغنى ، تسميتها بالأغنية هنا تجاوزًا، فى مساحة 4 دقائق
ولنبدأ معًا تحليلها..
1- الموسيقى: (ألية) بسيطة الى حد يثير الغيظ، رتيبة متكررة الى حد كبير، تشبه فى حركتها وتكرارها الممل حركة الآلة، والآلة هنا تمثل مفهومًا كامنًا فى الحضارة الغربية منذ بداية عصر التنوير، اذًا حركة الموسيقى رتيبة متكررة مملة، ولن أبالغ لو قلت أنها مادية الى حد كبير، وهو أمر معتاد فى الموسيقى والغناء الغربي بعامة حتى وإن ظهرت على السطح بعض التشكيلات الموسيقية المختلفة الا أنه فى خلفية الأغنية تستطيع، ان كنت تمتلك سماعة جيدة، أن تتبين نمطًا معينًا من النغم يتكرر برتابة مملة، وقد تسلل هذا النمط من التلحين الى غنائنا للأسف ضمن ما تسلل الينا أمور يتفاخر بها البعض لأنه يصبح بفعلها متحضرًا!
ويمكن بوضوح شديد تبين نغمة التكرار والرتابة الألية المقيتة من خلال سماع أخر دقيقة من الأغنية التى تتكرر فيها النغمة بشكل متعمد كأنها تقول لك:
نحن نكرر أنفسنا لنغيظك!

وأحب أن أشير هنا الى نقطة أراها هامة، وهو موضوع التخليط الذى يحدث عمدًا فى أغاني بعض الفرق الغنائية المصرية الحديثة التى سمعتها ( "وسط البلد" أو "قص ولزق" على سبيل المثال) بين الموسيقى الشرقية والغربية، بنسب كبيرة جدًا للآلات الغربية، أوبين كلمات شرقية كشعر أو ذكر مثلا وبين موسيقى غربية، يمكن للمدافعين عن هذا أن يتحدثوا عن ثقافة السلام وتمازج الحضارات وكل هذا الهراء، يصبح هذه مفهومًا ومقبولاً من وجهة نظري اذا كان يوجد مقابل له، أى اذا وجدنا فرقًا غربية تزاوج بين الموسيقى الشرقية والغربية بهذه الطريقة، وبغير هذا فإن الأمر لا يعدو كونه صورة أخرى من صور الإنبطاح الحضاري للغرب.
يعضد وجهة نظري فى هذه النقطة جو هذه الحفلات ( الفنية) الغربي تمامًا وجمهورها الذي يتكون فى أغلبيته الساحقة من فئة الشباب المنتمي الى الطبقات الإجتماعية فوق المتوسطة والغنية والذي يبذل قصارى جهده للتشبه بالسادة فى مانهاتن!
2- الكلمات: ثمة تركيز شديد على الرغبات السفلى ( المال - الجنس - المخدرات )،
يؤكد هذا على جوهر النموذج المعرفي الكامن للإنسان داخل المنظومة الفلسفية الغربية التى ردته الى عناصره المادية فحسب، وجعلت هدف حياته يدور حول مبدأي اللذة والمنفعة فقط،
وقد اضطرت اذاعة عربية متخصصة فى بث الأغاني الأجنبية، حين اذاعتها لتلك الأغنية، أن تقطع منها لحيظات عديدة لإخفاء كلمات ك ( Sex- Fuck- Drugs) التى تكررت بكثرة على مسطح زمني يبلغ 4 دقائق تقريبًا هو زمن الأغنية، مما أفقد الأغنية أى معنى.
مما يلاحظ أيضًا أنه ثمة انفصال كامل بين طريقة ( الغناء) والموسيقى، فكل يسير فى طريقه، يمكن أن نضع هذا ضمن ما يطلق عليه د. عبد الوهاب المسيري ( انفصال الدال عن المدلول)، حيث أنه بما أننا فى عصر السيولة الشاملة حيث لا قواعد تحكم أى شئ، بالتالي يمكن وضع أى شئ بجوار أى شئ، بل وعلينا قبوله باعتباره " فن
وربما لهذا السبب فإن الموسيقى الغربية ( يدخل ضمنها الغناء) مهما بلغت درجة جمالها لا تُطرِب، عكس الموسيقى الشرقية ( القديمة)، التى يجب أن تتمازج فيها الموسيقى والكلمات ولا تنفصل، حيث هناك هدف ما للأغنية، حيث هناك رؤية ما للكون.
ومما يلاحظ أيضًا طريقة نطق الكلمات، تلك اللهجة الغريبة، لست مجيدًا للإنجليزية لكنى أدعي القدرة على التمييز بين الإنجليزية الراقية، الإنجليزية الفصحى ان صح هذا التعبير والتى كان يتحدث بها الانجليز الى وقت قريب، وبين هذه اللهجة المسخ التى تمثل تحديًا لكل قواعد اللغة والنطق، مرة أخرى نحن ندور فى فلك فكرة تحطيم كل القواعد والمطلقات وأشباه المطلقات.
3- الصوت: عصر السيولة الشاملة يأتى لنا بكل جديد، فبعد أن كانت ( القاعدة ) هي أن الغناء لكل ذي صوت جميل، تم تحطيمها وأصبح الغناء لكل من يمتلك القدرة على دفع ثمن " تعبية شريط".
لا يوجد صوت مطلقًا ولا يمكن تسمية هذا غناء، ومع ذلك فإنه علينا قبول ذلك والا فلن نكون متحضرين!
4- التصوير: تعضد الطريقة التى صُوِرَت بها الأغنية كل ما سبق، حيث تم تصويرها فى ملهى ليلى، ولعل خشبة الرقص فى أى ملهى ليلي هي الصورة المجازية الأساسية المعبرة عن الحياة الغربية، خصوصًا وحين يكون الرقص بهذه العشوائية، يتحرك كل فرد كما يحلو له باعتبار هذا رقصًا، يتصادم مع غيره ربما، لكن لا يهم، لايهم أيضًا أن تتوافق حركة الجسد مع الموسيقى، انتهت تلك الأزمنة السعيدة التى كانت حركات الرقص فيها تتوافق مع الموسيقى، وفى الملهى الليلي كل شئ قابل للتفاوض وللبيع والشراء، ابتداءً بالخمر وانتهاءًا بالأجساد، فلا قداسة لأى شئ، فى الملهى الليلي الكل يتحرك، لكن ما الهدف؟
المتعة.. اللذة.. المنفعة
ولكن على الرغم من تلك الفوضى الظاهرة الى أنه يوجد من يحكم سيطرته على المكان، بلطجي أو زعيم عصابة غالبًا، توجد سلطة ما تعمل على فض المنازعات حفاظًا على استمرار الحركة وجني الأرباح وبقاء اللذة والمنفعة كقيمتين أساسيتين.
ذلك البلطجي أو زعيم العصابة هو ما يمثل فكرة " الدولة المركزية القومية الحديثة "، التى يبدو أنها أكبر اشتغالة فى التاريخ الحديث. ولكن هذه قصة أخرى.
________________
الى..
د. عبد الوهاب المسيري..
أستاذي العظيم.. علمك يُنتَفَعُ به وأجرك موصول الى يوم القيامة بإذن الله.
د. إيهاب يونس.. طالت الغيبة، دمتم ودام فضل علمكم علينا.
محمد علي.. لعلي لا أخيب ظنك.



الأحد، ١ فبراير ٢٠٠٩

سن الرشد.. أو هكذا أتمناه

1 فبراير1988
:
1 فبراير2009


Happy Birth Day 2 Me