الخميس، ١٦ يوليو ٢٠٠٩

حتى لا تتوه الحقائق الواضحات


الصراع بيننا وبينهم صراع وجود وعقيدة.. اما نحن واما هم

انسان فلسطيني
**************
ربما كان ذلك الفلسطيني - المنقولة عبارته الملخصة لكل شئ أعلاه - يقصد اسرائيل فقط، ويكون قد أصاب جزءًا من الحقيقة ان قصد ذلك، لكن ليس كل الحقيقة، لأن الإمساك بالحقيقة يعنى محاولة أوسع لفهم اسرائيل، ليست اسرائيل مجرد دولة، اسرائيل فى حد ذاتها لا تساوي شيئًا، وإمكانياتها الذاتية تؤسس لدولة صغيرة ستكون تابعة فى الأغلب لأقرب دولة قوية، وهي جزيرة منعزلة وسط محيط من الأرض العربية الكارهة، لكن الأمور لا تؤخذ بهذا التجريد. النظرة الصحيحة لإسرائيل تتأتى من فهم حقيقة كونها رأس حربة للمصالح الغربية فى بلادنا ( ولا يعني هذا أن الصراع صراع مصالح مادية في جوهره كما سأبين)، الجزء الأعلى الظاهر من جبل ثلج المصالح الغربية عندنا، ودومًا يكون الجزء المختفي من جبل الثلج أكبر وأقوى بكثير من الجزء العلوي الظاهر المغري بالنسف. اذًا فاسرائيل وحدها قابلة للنسف، وعوامل نسفها تنبع من داخلها، لكن هل سيسمح الغرب بذلك؟
أؤمن - كما آمن ذلك الفلسطيني البسيط - بأن الصراع العربي الإسرائيلي صراع ديني في جوهره، وحتى لا تتوه الحقائق أحب أن أوضح أن المشروع الصهيوني ليست له أدنى علاقة بالديانة اليهودية سوى الديباجة الكثيفة، لكنه في جوهره مشروع مادي، ظهر في إطار الحضارة الغربية، وفي ظل فلسفتها أواخر القرن التاسع عشر، وتم تنفيذه عن طريق آلياتها، لخدمة مصالحها، فهو من أوله الى أخره غربي النشأة والتنفيذ والهدف، والحديث في هذا طويل طويل ويقودنا الى أعمق مناطق الأسس والأصول الفلسفية التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة، وقد فصل د. عبد الوهاب المسيري عليه رحمة الله ذلك في موسوعته وكتبه التالية لها، بما لا يدع مجالا للحديث سوى النقل عنه.
فمن شاء فليرجع الى كتبه ومقالاته وأرائه..
ولست هنا في مجال شرح ذلك ولكني أقول: توصف الحضارة الغربية الحديثة دومًا ب" المادية" وفي قول أخر الإلحاد، وهذا ليس قولي وحدي بالمناسبة فهناك من يذهب الى أن هذه الحضارة " أول حضارة ملحدة في التاريخ" وهذا مما يسبب للبشر عدم الأمان بعد أن انفصلت كل مجالات الحياة فيها عن القيمة الأخلاقية الحاكمة.
وحينما نؤمن بأن المشروع الصهيوني مشروع مادي في جوهره فإن هذا سيعطينا رؤية جديدة تعتمد على دراسة الحضارة الغربية وفلسفتها، بدلا من الذهاب للتوراه والتلمود والبروتوكولات ومحاولة اثبات أن المشروع الصهيوني موجود في التلمود من آلاف السنين.. الى أخر هذا الهراء
كما أن معرفة والإيمان بأن المشروع الصهيوني مشروع مادي في جوهره يؤكد الصبغة الدينية التي تحدثت عنها في البداية، والصراع هنا ليس بين الإسلام واليهودية كما هو متوقع، فليس صراعنا مع اليهودية بحال من الأحوال، وإنما هو صراع بين الدين والمادية، ( ليس من المستغرب أن يتخذ الملحدون العرب مواقف مائعة من الصراع العربي الإسرائيلي) صراع بين الأخلاق الإنسانية وبين المادية التي تهدم أصل الإنسان، واني اذ أؤكد على الصبغة الدينية للصراع أقول أن هذا أمر يجب أن تتحد فيه كل الديانات السماوية وكل الفلسفات التي تعلي من شأن الإنسان بعيدًا عن المادية والتسوية بالطبيعة، واني اذ أؤكد الصبغة الدينية للصراع بالشكل الذي وضحته أؤكد أيضًا على الصبغة الدينية الإسلامية للصراع لأنه اذا كان هدفنا جميعًا - كبشر - هو العدل، فالعدل أن تعود هذه الأرض على حضن حضارتها وأهلها الأصليين وهم المسلمون والمسيحيون واليهود ذوو الخلفية الحضارية الإسلامية، فالإسلام حاضر هنا وبقوة للدفاع عن الإنسان قبل أن يدافع عن نفسه، الإسلام لا يدافع عن نفسه فقط ، بل يدافع عن كل الأديان والأخلاق والفلسفات الإنسانية.
وأؤمن بأنه لو كانت هناك أية قطعة أرض في هذا العالم يمتلكها جماعة من الملاحدة ، ثم جاءهم مجموعة من المسلمون وصنعوا بهم مثلما صنع الصهاينة بأهل فلسطين، فإن ضميري الديني والأخلاقي والإنساني يحتم عليّ الوقوف بجوار الملحدين، وهذا هو جوهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه.
ومن هذا المنطلق فإني لا أرى الصراع بيننا وبين الصهاينة صراع على مصالح مادية بشكل مطلق، ذلك أن ذلك يحوي تسوية بيننا وبينهم، بين الحق والباطل، ويحول الصراع الى صراع حيوانات في غابة داروين الموحشة، ويوحي بأنه اذا انتصرنا عليهم فإننا لن نتوانى عن فعل كل مافعلوه بنا اذا كان ذلك يحمل " مصلحة مادية " لنا!( لأسباب مشابهة أعتبر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية سقطة حضارية قبل أن تكون سقطة سياسية). اذ أنه ما دامت لا توجد مرجعية أخلاقية حاكمة فكل الأمور تصبح متساوية، يتساوى الخير والشر والحق والباطل وتصبح القوة هي المعيار الوحيد لتحديد علاقة الدال بالمدلول!.. أي تصبح فلسطين صهيونية لمجرد أن الصهاينة أقوى، ثم تعود عربية مسلمة لمجرد أننا قد أصبحنا أقوى وليس لأن ذلك هو الحق.
واستنادًا الى كل ما سبق فإني أحب أن أعلن فرحتي بالصورة الموجودة أعلاه، وهي صورة تمثل رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي والحقيقي المجاهد اسماعيل هنية مع وفد حاخامات جمعية " ناطوري كارتا " اليهودية المعادية لإسرائيل الصهيونية، هذه الجمعية التي شاركت في حملة " شريان الحياة 2" التي يقودها البريطاني العظيم جورج جاولاوي لفك الحصار عن غزة، ان هذا هو تجسيد عظيم لكل القيم التي نؤمن بها جميعًا كبشر، فالقوة لا تصنع الحق، الحق ثابت مطلق، وما نصبو اليه جميعًا هو العدل الذي أذهب الى أنه مقياس اقترابنا من الحق أو ابتعادنا .عنه
ومن هذا فإن جورج جالاوي وغيره من شرفاء هذا العالم، ومنهم اليهود المناصرين لحقنا في فلسطين انما هم ينتصرون للإنسان، ويذهبون الى أن مناصرة المقاومة في فلسطين ولبنان وكل مكان في العالم يوجد به مظلومون واجب أخلاقي وديني( باختلاف العقائد) وانساني، مع احتفاظنا بحق النقد المرحلي في إطار الوصول للهدف المنشود.
وتلك أرضية مشتركة غاية في الثبات والقوة يستطيع الإنسان أن يقف عليها كي يواجه المادية والإلحاد والتسوية بالطبيعة واسرائيل ومن وما ورائها.

الخميس، ٢ يوليو ٢٠٠٩

رسالةٌ فى الغرق..

مما رواه قلبي.. وارتوت يداي منه بالنقل:

رسالة فى الغرق..
المعنى عندي فى الغرق هو الإحتواء، أذكر أول تجاربي مع الغرق، كانت مرتي الأولى للتعامل مع البحر، وكنت أتعمق فيه مأتنسًا بالمتعمقين معي، دومًا أئتنس بالناس، أعتبر الوحدة أعمق صنوف الغرق، وفى ذلك أقوال، كنت متعمقًا حين فجأة، وربما للمرة الأولى فى حياتي، لا أجد أرضًا تحتي، فسقطت الى الأسفل كحجر، لم أصرخ، ما استغربته فيما بعد حين كنت أتذكر ذلك الموقف وتلك الحادثة أنى لم أشعر بخوف، لم أرهب الرمادي الذى احتواني، كل ما فكرت فيه أننى لن أرى أمي ثانية، لكن هذا الخاطر توارى سريعًا حين سرحت مرة أخرى فى الرمادي المسيطر، ثم امتدت يدٌ مفاجئة لتسحبني الى الأعلى وأفاجأ بأصوات كثيرة تتأكد من أنني حي وتحمد الله على ذلك، منذ ذلك اليوم اقترن عندي معنى الغرق بالإحتواء، خصوصًا ولو كان غرقًا هادئًا، لايشبه تلك التجربة التى دخلتها فى الإسكندرية وكاد الموج الهادر أن يغلبني لولا ستر الله ولطفه.
وقيل: منه الإستغراق، أى اغراق الإنسان نفسه فى أمر ما حتى يملك عليه لبه، ويشغل كل وقته، وتنداح معه بقية أمور الحياة من صميم نظره الى أطراف عقله.
فالإستغراق هنا أمر ذاتي، يقوم الإنسان به وهو واع اليه، مدرك له، مستمتع به، أو على الأقل يقوم بأدائه على أحسن الوجوه كنتيجة لإلتزام أخلاقي منه.
والغرق عندي نوعان: فهو إما غرق مادي أو غرق روحي
فأما الغرق المادي فقد أسهبت الحديث عن حالة منه حين ذكرت قصتي الأولى مع الغرق،وأما الغرق الروحي فقد وجدته مع حبيبتي، واقتران الغرق عندي بمعنى الإحتواء ساهم فى أن أحب غرقي فى حبها، ألا أخاف منه، اذ أن الإحتواء جالب لكثير من النعم، نعمة الهدوء، نعمة راحة البال، نعمة الحنان، نبعه صافِ لديها، لكأنما تأتي به من تحت عرش الرحمن مباشرة، ينطبق اسمها على ما أؤمن به من مسماها بشكل يدهشني، فكما أعبر لها دومًا هي مجموعة من النعم التى لا أعرف كيف سأؤدي شكرها، لكني أعود وأحمد الله على جميل صنعه، وإتمام نعمته عليّ بأن هداني اليها، وأقول لنفسي لعل اسمها هو ما تغنى به الكروان لحظة ولدت، ولعل اسمي هو ما نادى به الكروان لحظت ولدت.
أقول: الغرق والإستغراق لازم للسير فى هذه الحياة، ليس أمرًا عارضًا، بل هو لازم من من متلازمات الضمير، لا أظن أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" لا يشير الى ذلك المعنى، فالإتقان يتطلب الغرق والإستغراق، وقد كنت قبل انبلاج صبحها عليّ، غارقًا فى ليل طويل كئيب، ناظرًا الى مستقبل حياة أقرب الى حياة الرهبان، لكنها حطت على عالمي بهدوء، كعصفور يغرد خارج نافذتي، لم أنتبه فى البداية، لكني حمدت الله بعد ذلك على نعمة الإنتباه، ثم نعمة التركيز، ثم نعمة اللسان الذى صارحها بكل شئ، واللسان دومًا مغرفة القلب، ثم نعمة اللغة التى حملت مافى القلب عبر الهواء الى أذنها.
اليوم أنا لا أعرف كيف يمكن شكر نعماء الله، فإذا كنت لا أستطيع تأدية شكر الماء، فكيف أستطيع شكر الله على أن رزقني بها.