الاثنين، ٢٣ يونيو ٢٠٠٨

د. جمال حمدان.. للجغرافيا تأثير النور

للأمريكى الكبير " Ray Bradbury " قصة، هى " تأثير الفراشة"، القصة - باختصار شديد - تحكى عن اختراع العلماء لألة زمن ثم يرسلون فيها أحدهم الى الماضى، الى عصر الديناصورات تحديدًا، ليرى كيف كانت تسير الأمور، تسير القصة على هذا المنوال، ويعود بطل القصة الى زمنه الأصلى، ليجد كل شئ فى العالم قد تغير، وحين يعود بالذاكرة الى ما فعله أثناء وجوده فى زمن الديناصورات ليكتشف أنه قد قتل فراشة!
وتراكمت التغييرات التى استتبعت ذلك عبر ملايين السنين الى أن أدت الى التغيير الموجود فى عالمه الأن..
تعرفون هذه اللحظات، التى لا يعود كل شئ بعدها كما كان قبلها، ولا يمكن أن يعود..
أحيانًا تصيبنى الدهشة من كينونتى فى الزمان الحاضر..
لعلها صدفة، أو هو قدر الله الذى لا يرد اذ قدر علىّ عدم مقابلة أناس لهم فى قلبى كل معانى الحب والتقدير..
أولهم - تأكيدًا - النبى صلى الله عليهم، وصحابته - عمر بن الخطاب رضى الله عنه تحديدًا - ولن يكون أخرهم د. جمال حمدان
لعلها صدفة، أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن يختاره الله الى جواره حين كنت أنا لا أزال أتخبط فى غموض الطفولة.. براءتها ربما..
توفى، ولم أعرف أنه توفى..
وربما لم يكن يعنى لى ساعتها شيئًا أن يموت د. جمال حمدان..
ولم أكن أعرف ساعتها أنه أحد من سأعشقهم فى زمان العقل، أو هذا ما أتمناه لنفسى أن أكون فى زمان العقل.
لعلها صدفة؟! أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن أبتاع كتابه الرائع " استراتيجية الاستعمار والتحرير " من بائع كتب مستعملة أمام كليتى، ولم أكن أعلم ساعتها من هو جمال حمدان وكيف كانت عبقريته!
كنت جاهلاً..
أعترف..
لعلها صدفة، أم هو قدر الله الذى لا يرد؟! أن يرد لى د. جمال حمدان ثقتى فى نفسى وفى تفكيرى وفى أرائى..
ليس العلم هو ما نأخذه فى المدارس والجامعات.. العلم ليس مجموعة من الأرقام والمعادلات العجفاء التى توضع الى جوار بعضها ثم لا شئ بعد..
الثقافة ليست مجرد معرفة أن نهر النيل أطول من المسيسبى..
العلم ليس مجموعة الحقائق.. العلم هو الميكانيكية الكبرى، الحقيقة الكبرى التى تجمع هذه الحقائق الصغيرة..
الثقافة ليست مجموعة من المعلومات العامة، بل هى أسلوب حياة..
العلم ليس " ماذا حدث؟ " بقدر ما هو " لماذا حدث؟ " "وكيف حدث؟ "
العلم هو التساؤل..
العلم هو الفطرة البشرية التى تكون عقيدة " السببية " جزءًا شديد الاهمية منها
وأخيرًا..
فالعلم هو نور معرفة الاجابة بعد التساؤل..
لعلها صدفة، أو هو قدر الله الذى لا يرد، ألا يمهله قليلاً ويعطينى فرصة للقائه والجلوس تحت قدميه وأن أطلب منه أن يتكلم..
فقط يتكلم..
وأنا أتشربه بعينى وعقلى وقلبى..
أحفظه بداخلى..
فهو - عن حق - العالم المعلم
لعلها صدفة، أو هو حكم الله الذى لا يرد، أن أجلس الأن أكاد أبكى غيظًًا من لحظة تدنٍ خارقة غير مألوف لا فى التاريخ ولا الجغرافيا إذ لا يحتفى بذكرى هذا الرجل - على الأقل - كما يحتفى بذكرى الراقصات، مع الفارق الرهيب تأكيدًا.
جمال حمدان ليس مجرد عالم زهد المناصب وزهد الدنيا وتفرغ للعلم كعلماء الأساطير تمامًا، بل هو مشروع تنويرى متكامل، مشروع مصرى عربى مسلم، يأخذ مكانه بجدارة الى جانب مشاريع العمالقة " الشيخ جمال الدين الأفغانى، الإمام محمد عبده، الشيخ الغزالى ، د. محمد عمارة، وأخيرًا مشروع مختلف بعض الشئ لكنه تنويرى أيضًا على كل مقياس، إنه المشروع الفيروزى الرحبانى.
وحقه علينا - كما يؤكد د. عبد الوهاب المسيرى - أن نكمل مشروعه الذى لم يمهله القدر الوقت الكافى لإكماله.. هذا حقه علينا.
د. جمال حمدان فضله عليُّ شخصيًا لا ينكر، وعلى جيله لا ينكر، وعلى استشراف المستقبل لا ينكر.
فأدعوا الله أن يكرمه فى الأخرة جزاء علمه فهو من أخبر نبيه الذى لا ينطق عن الهوى أنه إذا مات بن أدم انقطع عمله الا من ثلاث، وذكر منهم " علم ينتفع به ".
____________________________
الخميس ما قبل الماضى كنت فى " عمر بوك ستورز " وشرفت مكتبتى باقتناء عمله الخالد " شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان "، الذى يقع فى 4000 صفحة تقريبًا بين دفتى 4 مجلدات.. والى هذا العمل تحديدًا والى روحه الطاهرة أهدى كل كلمة سأكتبها من الأن، فهو - عن حق - من علمنى كيف أرى.


هناك ٦ تعليقات:

غير معرف يقول...

احمد عبدالفتاح...استمتع بمتابعة ماتكتبة ...اعادة التعريف بجمال حمدان للاجيال الجديدة فى فترة الانبطاح التى تمر بها الدولة المصرية عمل تنويرى يستحق الاشادة بة...بل ويعطيك شالية فى الجنة ايضا...اماالاشارة الى قاعدة السببية والتساؤل ب لماذاوكيف؟؟ فسيجعل واجهات الشاليةالاربعة بحرى كلهلم....

Gannah يقول...

استمتعت كثيرا بتعريفك للعلم وللثقافة
وشعرت بالعزلة التى تعانيها فى مجتمع لم يعد للعلم والثقافة فيه مكان
لم أقرأ من قبل للرجل ولكنى قرأت عنه كثيرا
تحياتى

dr.Roufy يقول...

عنوان التدوينة لخص المسألة يا أحمد
رحم الله جمال حمدان..من أهدى الجغرافيا مذاق النور
ومن خيوطه تكونت ملامح شخصية مصر

أحمد عبد الفتاح يقول...

طارق باشا:
أشكرك على الاطراء وان شاء الله نكون سوا فى الشاليه ده:)

أحمد عبد الفتاح يقول...

جنة: للأسف حاولت كثيرًا التخلص من هذه العزلة لكن يبدو أن هذا لن يفلح قريبًا
أتمنى المتابعة:)

أحمد عبد الفتاح يقول...

رفيدة: العنوان لخص التدوينة، وتعليقك أعطاها بريقَا خاصًا جدًا:)