الجمعة، ٢٠ يونيو ٢٠٠٨

وجه أخر لعبقرية الإسلام..

" هدف المبشرون - ربما أكثر الأعضاء عددًا فى فروع المؤسسة الإستعمارية - الى التغيير الجذرى فى المجتمعات الأصلية..... ولذلك سعوا، بوعى أو بدون وعى، الى تدمير المجتمعات التى وجدت قبل الإستعمار لتحل محلها مجتمعات جديدة على نهج أوروبا "
A. G. Cristopher

** ** **
" إن مهمة التبشير التى ندبتكم لها الدول المسيحية للقيام بها فى البلاد المحمدية ليست هى إدخال المسلمين فى المسيحية، فإن فى هذا هداية لهم وتكريمًا.
إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالى لا صلة تربطه بالأخلاق التى تعتمد عليها الأمم فى حياتها، وبذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الإستعمارى فى الممالك الإسلامية، لقد هيأتم جميع العقول فى الممالك الإسلامية لقبول السير فى الطريق الذى سعيتم له، ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام "
القس: صموئيل زويمر
رئيس جمعيات التبشير
مؤتمر القدس للمبشرين
1935
** ** **
مرة أخرى: الحضارات لا يمكن أن تنبت فى الصحراء، هذه قاعدة استراتيجية غير قابلة للتغيير تقريبًا..
و " تقريبًا " هنا مقصودة لأن الحضارة الإسلامية كانت الإستثناء الذى أكد القاعدة.
الملحوظة الأولى على الحضارة الغربية هى أنها تقدم - ربما
تفرض يكون تعبيرًا أفضل - نمط حياة جاهز يظن فيه هو أنه النمط الأفضل للحياة، ويظن فيه أيضًا أنه قابل للتطبيق فى كل مكان من العالم، وتحت أى ظروف ممكنة، وبتحدى أى صعوبات ترقى الى درجة المستحيل، وحتى الأن هذا المعنى موجود كما كان موجودًا - من قديم - فى أدبيات الإستعمار.
يمكن أن نترجم ذلك على أرض الواقع ببساطة حين النظر الى مبانى وسط القاهرة القديمة التى بنيت كلها على الطراز الأوروبى بعد فترة انبهار شديدة بالغرب بدأت منذ عصر اسماعيل.
"
مما هو جدير بالذكر والملاحظة، أن عصر اسماعيل كان يمثل البداية الحقيقية لمحاكاة الغرب فى المأكل والملبس والمسكن والسلوك. وكان ذلك بفعل النفوذ الأوروبى الذى بدأ يتسرب الى البلاد منذ عهد سعيد باشا، وزاد فى عصر اسماعيل حيث شمل كافة الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية. ومن الملاحظ أننا حاكينا نماذج ولم نحاكِ فكرًا أو عقائد. وكانت وظيفة الوافد الأوروبى تتمثل فى تهيئة البيئة المصرية للهيمنة الأوروبية عليها سياسيًا واقتصاديًا تمهيدًا لإستعمار البلاد، وهو ما حدث بالفعل. " (1)
وكان لهذا العمل " الإنسانى " - من وجهة النظر الأوروبية - أسماء عديدة أشهرها " حمل الرجل الأبيض " وانفردت الولايات الأن باسم جديد هو " القدر المبين " أى قدر أمريكا أن تفتح العالم لتحضره طبقًا لقيم ومعايير الحضارة الغربية.
حين تساءلت ماهو حكم الدولة غير المسلمة التى تمنع دعاة الإسلام من دخول أراضيها رد العلماء:
تُحارب
قلت: إذًا فى هذه الحالة يجب ألا نمنع مبشريهم من دخول أرض الإسلام وممارسة عملهم.
قيل لى: لا
تساءلت: لماذا؟!
جاء الرد: لأن دينك مثبت باثباتات علمية عقلية أكثر من أديانهم!
فى الواقع لم أقتنع..
لكنى بعد أن قرأت فى تاريخ التبشير بدأت أقتنع.. الموضوع أكبر من مجرد تغيير دين
الغرب يرى نفسه الممثل الوحيد للمسيحية، وبالتالى يجب أن ينتمى أى مسيحى فى العالم الى الحضارة الغربية، حتى ولو كان يعيش فى أقصى الشرق!، فى حين أن الراحل العظيم " إدوارد سعيد " كانت له مقولة رائعة: أنا مسيحى أنتمى للحضارة الإسلامية.
ولأن الحضارة هى فى العموم إنسانية الطابع بعيدًا عن الإنتماء لدين معين، فقد كانت مقولة إدوارد سعيد - الفلسطينى - معبرة الى أقصى حد.
والى أقصى حد أيضًا فهم الإسلام - ذلك الدين العبقرى ذو الجذور الصحراوية الرعوية - هذه الحقيقة، وطبقها كأحسن ما يكون.
لم يقدم الإسلام نمط حياة جاهز، وربما كان ذلك من أسباب خصوصية الحالة الحضارية الإسلامية، لم تقدم لنا الصحراء حلولاً جاهزة - غير ناجعة - للمشاكل، وفى الواقع لم يكن بامكانها هذا، لأنه - ببساطة - الرعاة لا يمكنهم فرض أسلوب حياتهم البسيط على الأسلوب المعقد للحياة فى الحضارات الزراعية المستقرة.
ولكن لأن هؤلاء الرعاة - وهؤلاء بالذات - هم أخر من تلقى وحى السماء فقد فهموا الأمور على حقيقتها.
الإسلام لا يقدم نمط حياة جاهزة، بل يقدم قواعد ثابتة شديدة العمومية، صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان، ثم يتركها تتفاعل مع متغيرات كل منطقة، وفى النهاية تقدم كل منطقة حضارتها الإسلامية الخاصة، وترك لنا - على الأقل - ألف نموذج صالح للتطبيق فى كل منطقة.
وأبسط ما يمكن أن يقال فى هذا أن حضارة الإسلام فى وسط آسيا مختلفة عنها فى العراق مثلاً، وأن حضارة الإسلام فى العراق مختلفة عنها الشام، ومختلفة عنها فى مصر، ومصر مختلفة عن المغرب، والمغرب مختلف عن الأندلس، وكلها حضارة إسلامية، وكلها تمارس فقه الواقع الصحيح " الخاص بها "، وكلها تمارس الإسلام عن حق.
______________________
(1) الحركة السياسية فى مصر 1945 - 1953 / المستشار طارق البشرى - دار الشروق 2002

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

الوجه الأدل على عبقرية الاسلام في هذا الموضوع هو قول القس في مؤتمر المبشرين

أحمد عبد الفتاح يقول...

أكيد:)