الاثنين، ١٩ مايو ٢٠٠٨

من طمع فى موائدنا.. يصبرعلى أوابدنا

.. ويقول التوحيدى فى مثالبه:
" إن جرعة الحرمان أمر من جرعة الثكل، وضياع التأميل أمضى من الموت، وخدمة من لم يجعله الله أهلاً لها أشد من الفقر، وإنما يُخدم من إنتصب خليفة لله بين عباده بالكرم والرحمة والتجاوز والصفح والجود والنائل، وصلة العيش، وبذل مادة الحياة، وما يصاب به روح الكفاية، وحرمان المؤمل من الرئيس ككفران النعمة من التابع.
رأيت الجرجرائى، وكان فى عدد الوزراء وجلة الرؤساء، يقول للحاتمى وهو من أدهياء الناس: إنما تُحرم لأنك تشتم
فقال الحاتمى: إنما أشتم لأنى أحرم، وإن شئت عملناها على الواضحة..
قال: قل.
قال الحاتمى:
يقطع هذا أن لا يسمعوا مدائحهم، ولايكترثوا بمراتبهم وأن يعترفوا لنا بمزية الأدب، وفضل العلم وشرف الحكمة، كما خذينا لهم بعظمة الولاية، وفضل العمل، وبسط اليد، وعرض الجاه، والاستبداد بالتنعم والطاق والرواق والأمر والنهى والحجاب والبواب، وأن يكتبوا على أبواب دورهم وقصورهم: يابنى الرجاء ابعدوا عنا، ويا أصحاب الأمل اقطعوا أطماعكم عن خيرنا وميرنا، وأحمرنا وأصفرنا، ووفروا علينا أموالنا، فلسنا نرتاح لنثركم ولا لنظمكم، ولا نعتد بملازمتكم مجالسنا، وترددكم على أبوابنا، ولا نهش لمدحكم وثنائكم، ومن فعل ما زجرناه عنه، ثم ندم، فلا يلومن الا نفسه... وأن من طمع فى موائدنا يجب أن يصبر على أوابدنا. ومن رغب فى فوائدنا نشب فى مكايدنا.
فأما اذا استخدمونا فى مجالسهم بوصف محاسنهم وستر مساويهم، فإن فى توفية العمال أجورهم قوام الدنيا.. فإن العطاء أولى من المنع، والتنويل أولى من الحرمان. "


أبو حيان التوحيدى
مثالب الوزيرين



_______________________________
النقل هنا عن مقال رائع لدكتورة هالة فؤاد بعنوان ( صراع العلم والمال وأهل الثقافة البؤساء ) منشور بمجلة العربى فى عددها الأخير - العدد 594 مايو 2008

ليست هناك تعليقات: