الاثنين، ١٢ مايو ٢٠٠٨

لبنان فى الإطار العالمى..

فى ذكرى النكبة الستين.. ليست الأمور سوداء الى هذا الحد

سيطر حزب الله على بيروت..
وكانت خطوة هائلة فى الواقع..
بم يمكن أن نسمى ما حدث فى بيروت خلال الأيام القليلة الماضية الا " بالهزيمة الساحقة " لفريق الموالاة..
للسيدين وليد جنبلاط وسمير جعجع على وجه الخصوص
حسنًا..
اسمحوا لى أن أتخيل الموضوع بشكل أكثر هزلية..
أكثر سخرية..
فليست هناك أوضاع أكثر هزلية وسخرية من الأوضاع العربية الحالية..
سنتخيل مباراة..!
بين محور ( الشر ) ومحور ( الخير ) طبعًا.. :D
حسنًا..
فلنبدأ..
لو كانت جالسًا فى المقصورة الرئيسية لفهم ما يجرى فى ملعب الشرق الأوسط ستجد فريق محور( الخير) الى يسارك بتيشرتاته البيضاء بخطوط عرضية حمراء ثم شورتات زرقاء بخمسين نجمة بالتمام والكمال.
الفريق الذى يمثله فى حراسة المرمى وفى القيادة الفنية أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية وخط الدفاع والوسط تمثله مصر والسعودية وبشكل تقليدى جدًا الأردن ثم رأس حربة وحيد ( اسرائيل ) يساعدها من على الأطراف الأجنحة الخائنة فى لبنان شمالاً وفلسطين جنوبًا.
مصر التى ترتبط بعلاقات صداقة وثيقة مع الولايات المتحدة لأسباب " شحاتية " تتعلق بالمعونة الإقتصادية والعسكرية السنوية ثم لأسباب سياسية داخلية ظهرت مؤخرًا بضرورة الموافقة الأمريكية على تمرير مشروع توريث الحكم فى مصر.. وتبدو محاولات الرشوة المصرية لأمريكا واضحة جدًا فى هذا الشأن حين تصدر الغاز المصر لاسرائيل بأقل من ربع ثمنه العالمى فى الوقت الذى تزيد فيه أسعار البنزين على مواطنيها..!
أما السعودية فعلاقات نظامها بالولايات المتحدة قديمة منذ أيام اكتشاف بحر البترول الذى تعوم عليه المملكة والشركات الأمريكية التى اهتبلت على العمل هناك وموافقة المملكة بل وترحيبها بذلك رغم أن نصف ايرادات هذا البترول تذهب لجيب الشركات التى تكتشفه.. ومناقضة هذا لمبدأ ( الولاء والبراء ) الذى يؤكد عليه بشدة علماء المملكة الدينيين.. (ليس هذا موضوعنا على أية حال:D )
أما الأردن فعلاقاتها تقليدية للغاية مع الولايات المتحدة وقديمة ايضًا..
يمكننا القول - بضمير مستريح - أنها هى التى تتولى حماية النظام الملكى ( الهاشمى) هناك، الذى هو من قديم صنيعة الاستعمار الانجليزى، فوجوده مرتبط باستمرار الإمبريالية العالمية حتى وإن اختلف أقطابها..
أما اسرائيل فلا داعى لشرح خصوصية علاقتها بالولايات المتحدة.. فهى أوضح من أن يُتحدث عنها.
وعلى الخط تقف باكستان كبديل لكنه يعانى عدم الجهوزية لأسباب سياسية داخلية كثيرة.
أما على الجانب الأيمن من الملعب فستجد فريق محور ( الشر )..
الفريق الذى تمثله فى حراسة المرمى كوريا الشمالية، وفى خط الدفاع الصين وروسيا الإتحادية، وفى خط الوسط إيران وسوريا، ويعتمد على رأسى حربة فى المقدمة هما حزب الله وحماس.
وعلى الخط تقف فنزويلا ورئيسها المناضل اليسارى المعروف هوجو شافيز.
بدأ نزول الفريقان بوضوح أمام أعين الجماهير المتحمسة بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية2005 والتى تبين بعدها ان اتباع نهج تشجيع الديمقراطية فى الشرق الأوسط لن يكون ذا نتائج لطيفة بالنسبة للهيمنة الأمريكية على المنطقة.. إذ فازت منظمة حماس - الإرهابية حسب التصنيف الأمريكى وأحد رؤوس حربة فريق محور ( الشر ) بأغلبية ساحقة وأصبحت شوكة فى قلب المشروع الأمريكى الكبير للشرق الأوسط دعك من أنه الى الشرق من غزة كان قد بدا لكل الأعين أن العراق لن يكون سوى مستنقع أسود وأنه لن يقل عن أن يكون فيتنام أخرى..
عمومًا اكتمل نزول الفريقين الى أرض الملعب فى تموز 2006
نكبة تموز2006 تحديدًا..
حيث هجم فريق محور ( الشر ) هجمة مضادة سريعة خاطفة - استمرت 33 يومًا فقط - على فريق محور ( الخير ) أحرز بها هدفًا رائعًا عن طريق لاعبه المهارى المميز (حزب الله )
هدفًا لا تزال أصداؤه تتردد الى الأن..
أثبت هدف حزب الله شيئًا هامًا للغاية من وجهة نظرى..
أن أسوء شئ يمكن أن تواجهه اسرائيل هو الحرب.. ديموغرافيًا واقتصاديًا بالذات..
نحن العرب لدينا عمق داخلى كبير وقدر احتمال واستيعاب للخسائر، بينما اسرائيل ذاتها هى مجرد عمق، حتى أكثر أطرافها تطرفًا وبعدًا عن عاصمتها.. هو بالنسبة لها عمق، وهذه نقطة ضعف استراتيجية كبيرة لمن ينتبه.. من ينتبه!
سياسيًا لن تكون الخسائر كبيرة جدًا لأن ماما أمريكا تقف ورائها بكل قوتها، وقد قامت السيدة كوندى فى بداية تلك الحرب بنفس الدور القديم القذر الذى قام به هنرى كيسنجر إبان بداية حرب أكتوبر1973 حين قام بتعطيل كل القرارات التى تدعو الى وقف اطلاق النار على اعتبار أن ( الاسرائيليين يكسرون عظام المصريين ) ولكن الله - حمدًا لله - رد كيده فى نحره وتبين بعد ذلك أن وقف هذه القرارات كانت فى مصلحة مصر، إذ كانت الحقيقة أن المصريين هم من يكسرون عظام الاسرائيليين وليس العكس.
(1)
وكان دور كوندى أكثر قذارة وسوداوية - كما هى سحنتها - لأنه على الأقل كانت حرب أكتوبر بين جيشيين نظاميين بين عسكريين محترفين، أما حرب تموز2006 فهى قصف أسود لضاحية بيروت الجنوبية ( المدنية )..
عمومًا رغم محاولات صحافة فريق محور( الخير ) تمثيل الموضوع بأن الهدف كان من تسلل واضح بدا للجميع أن الهدف صحيح تمامًا بل و جميل أيضًا..
بعد الهدف أدركت الولايات المتحدة أن الخطورة الرئيسية لفريق محور ( الشر ) تتمثل فى لاعبه الرئيسى حزب الله، خصوصًا وأن رأس الحربة الأخر ( حماس ) ولأسباب كثيرة ليس على نفس القوة..
اجتمعت كوندى - كمدير فنى للفريق وكابتن له - باللاعبين وأعطتهم التعليمات بضرورة (مكاسرة ) هذا اللاعب الخطير، ونزع سلاحه.
ظل اللعب منحصرًا فى وسط الملعب طوال عامين وظلت النتيجة على حالها لكن فريق محور ( الخير ) ومن هجمة مرتدة لم يعمل فيها حسابًا للعمق الدفاعى أصدر الجناح الخائن فى لبنان قرارً معتديًا على سلاح المقاومة..
فشنت المقاومة هجومًا مباغتًا على بيروت مستغلة عدم وجود عمق دفاعى للفريق المنافس واستولت على بيروت محرزة الهدف الثانى الذى أرى أنه تأخر كثيرًا..
أسقط فى يد الولايات المتحدة والسيدة كوندى بعد أن رأت حلفائها يتساقطون واحدًا تلو الأخر.. وقد بدا التخبط شديد الوضوح فى كلام السنيورة وجنبلاط ثم الجعجاع جعجع.
وبهذه المناسبة أود أن أبعث بتحية تقدير للجيش اللبنانى الذى أظهر تفهمًا كاملا للأوضاع فى لبنان وتصرف على أساس مصلحة المقاومة التى هى بالتأكيد المصلحة الوطنية اللبنانية..
ومما يزيد من جراحات جنبلاط وجعجع أن الكل فى لبنان يؤيد خطوة المقاومة، بل ويرى البعض أنه تأخرت.. حتى السيدة فيروز أعلنت انتمائها السياسى حين أحيت - قبل عدة أشهر - حفلاً كبيرًا فى العاصمة السورية دمشق..
وبدا جنبلاط لحظتها كلاعب يمثل على الحكم ويقع داخل منطقة جزاء المنافس مدعيًا العرقلة ومطالبًا بركلة جزاء، لكن الحكم الواعى - الجيش - يصرخ فيه أن يقوم بل ويذهب ليعطيع انذارًا جزاء تمثيله.
الأن النتيجة 2 / صفر لصالح فريق محور ( الشر )
ولا يتوقع لها أن تتغير فى المستقبل القريب..
إذ تبين أن ورطة العراق لن تمكن الولايات المتحدة من أن تساعد حلفائها بشكل كامل فى أزمتهم الحالية..
دعك من أن الأوضاع الداخلية للأنظمة السياسية الحاكمة فى كل الدول المحالفة لأمريكا باستثناء الأردن والسعودية تعانى مشاكل كثيرة..
ففى أمريكا نفسها يعانى الرئيس بوش واداراته من أدنى مستويات للشعبية حازها رئيس أمريكى.. وعرف الأمريكيون - ربما للمرة الأولى - إختراعًا اشتراكيًا قديمًا هو (طابور الجمعية - الخبز - المواد التموينية )
وستكون الأيام الأولى لبوش يعد خروجه من البيت الأبيض عسيرة حقًا.. لا أستبعد أن يقذف منزله بالحجارة - التى هى فى الأصل - إختراع فلسطينى:D)
فى مصر يعانى نظامها المترهل من مشاكل داخلية كثيرة لا اريد أن أكثر من الحديث عنها لأن كلنا يعرفها.
فى اسرائيل يعانى رئيس وزرائها الفاشل اتهامات عديدة بالفساد قد تجبره على الاستقالة قريبًا - هذا يحزننى فعلاً - دعك من الأوضاع الاسرائيلية الداخلية كلها مضطربة منذ ضربة تموز 2006 دعك من الهجمات الصاروخية البسيطة التى تشنها حماس بين الحين والأخر والتى تسبب رعبًا كبيرًا فى اسرائيل..

وأما الأوضاع الخارجية للسياسة الأمريكية فهى على درجة أقل من السوداوية لكنها بشكل ما سوداء أيضًا..

فى شرق آسيا بدا أن الصبر الكورى الشمالى والصبر الصينى الكونفشيوسى العتيد بدأ يثمر..

كوريا بدأت تتجاهل خلافاتها مع جارتها الجنوبية وجارتها الجنوبية بدأت تدرك أنها تملك ثقافة تختلف عن الثقافة الأمريكية وأنها أقرب فى كل شئ الى جارتها الشمالية وأن القوة النووية الشمالية والاقتصادية الجنوبية اذا اتحدتا يمكن أن يفعلا شيئًا.. فى خطوة خطرة طالما حذر منها صمويل هنتنجتون. (2)

وحتى اليابان الحليف التقليدى للولايات المتحدة بدا أنها ستبدأ فى التخلى عنها والاقتراب تدريجيا من الصين وتناسى الماضى العدائى الطويل بينهما ولن تكون زيارة الرئيس الصينى التاريخية الأخيرة لليابان هى الأخيرة..

بل يبدو أن العلاقات الاقتصادية بالذات ستتطور بشكل كبير خلال الأعوام القادمة بعد أن امتلكت اليابان السوق الأمريكية تقريبًا وبدأت تتطلع الى السوق الصينية الهائلة. ( فى السنة الأخيرة كانت الصين هى الشريك التجارى الأول لليابان بدلاً من الولايات المتحدة )

وحتى أوروبا..
على الرغم من أن صعود اليمين المتطرف فيها يبدو واضحًا بفوز ميركل فى ألمانيا وساركوزى فى فرنسا وعودة بيرلسكونى لرئاسة الوزراء الايطالية..

الا أن الزوال المتوقع لليمين المتطرف الأمريكى فى الانتخابات القادمة لن يمكنهم من فعل شئ ذا بال.. خصوصًا وأن انهماكمهم الأكبر سيكون فى سبيل إيجاد طريقة لإقناع شعوبهم بالدستور الأوربى الموحد وقضاياهم الداخلية الأخرى الأكثر تعقيدًا، التى ليس إرتفاع معدل التضخم والهجرة أصغرها بالتأكيد.

وفى آسيا الوسطى ثمة كارثة اسمها ( تنظيم القاعدة ) بالاضافة الى أن سهول آسيا الوسطى هى معقل ثلاثة قوى كلها معادية للولايات المتحدة (روسيا والصين وإيران) مثلث رعب دموى كبير وضعت الولايات المتحدة نفسها وسطه بغباء حين احتلت أفغانستان..

أفريقيا تحاول أن تضع فيها قدمًا فى الصومال - تمامًا كعادة كل الدول الاستعمارية التى تحاول السيطرة على باب المندب - لكن الجماعات الاسلامية هناك لن تتركها..

ومشكلة دارفور لا يبدو أنها ستحل قريبًا، وأن بترول السودان لن يكون بحوزتها بسهولة.

فى أمريكا الجنوبية ظهر لها ( عفريت علبة ) جديد اسمه " هوجو شافيز " وهو ليس وحده.. وأعتقد أن أغلبية دول أمريكا الجنوبية تدرك الأن أن الخلاص من الهيمنة الأمريكية التقليدية عليها ربما يكون بداية جيدة..

الخلاصة:

أنه فى الذكرى الستين للنكبة، لا أرى الأمور سوداء الى هذا الحد..

بل بالعكس.. هناك مكاسب كثيرة أحرزتها القوى السياسية المناوئة للولايات المتحدة.. ولا ينتظر أن تخسرها قريبًا

وبات من الواضح جدًا أن سياسة البلطجة التى فرضتها أمريكا على العالم بحجة الحرب المقدسة على الإرهاب لم تجد نفعًا أمام مقاومة القوى المناوئة لها.

عمومًا..

أنا متفائل، وأرجو أن يكون على حق.

شكرًا بوش.. قد انتهى الدرس يا غبى.:D

___________________________

(1) أكتوبر 73 السلاح والسياسة - محمد حسنين هيكل - مركز الأهرام للنشر والترجمة

(2 ) صدام الحضارات.. إعادة تشكيل النظام العالمى - صمويل هنتنجتون - إصدارات سطور الجديدة


هناك ٤ تعليقات:

كوارث يقول...

نظرتك بتدل على نظرة واعية جدًا للواقع السياسي
ما شاء الله
بس بتمثلها بفريق كورة ؟
مش ناوي تشيل الاهلي من دمك شوية ؟
بس الموضوع انتا كاتبه بطريقة نظرية المؤامرة
والناس ده هيا أساس المؤامرات في البلد اساسا فما تستغربش اي حاجه
مش بعيد يبيعوا اسوان لانتاركتيكا في مقابل جوالين بطاطس بس من النضيفة
وعامةً
افتكر دايمًا
" ويمكرون ويمكر الله "
" ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون , انما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الابصار "

dr.Roufy يقول...

رغم قلقى بل ورعبي من المباراة القادمة
الا أن كلماتك ومنظورك الرائع
بثا فيّ أملا يداعب افكاري الآن
تدوينة عميقة وراقية أحمد

مودتي
:)

أحمد عبد الفتاح يقول...

طارق باشا
الله يكرمك
بتمنى المتابعة

أحمد عبد الفتاح يقول...

د. روفى
جزاك الله خيرًا ياعزيزتى
أرى أنه يجب أن ننظر دومًا الى نصف الكوب الممتلئ