الثلاثاء، ٧ أبريل ٢٠٠٩

اليهود.. إعادة فتح باب الإجتهاد

".. ونموذج المؤامرة شائع فى الخطاب الإسلامي المناهض لإسرائيل. وهو يفترض وجود " استمرارية" بين يهود الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا هو جوهر الرؤية الصهيونية لليهود بالمناسبة. فى إحدى المحاضرات، قام أحد حملة هذا الخطاب وبيَّن لي أن " اليهود هم قتلة الأنبياء". فأخبرته أن المستوطنين الصهايتة لا يقتلون الأنبياء لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد أنبياء هذه الأيام، كما أنهم يقومون بقتل كل من يتصدى لهم، دون تمييز بين مسلم ومسيحي. وكنت مرة أجلس مع بعض صناع القرار فى العالم العربي ( من ذوي الإتجاهات الإسلامية) وتطرق الحديث الى اليهود، وبدأ بعضهم عملية السب نفسها ( التى هي فى جوهرها عملية " شيطنة " للآخر، لتحقيق بعض التوازن للذات). وتطرق الحديث الى يهود المدينة وخيبر "وتآمرهم"... إلخ. وكيف أن نفس التآمر اليهودي مستمر. فسألتهم: هل كان أولئك اليهود يعرفون التلمود؟ وبأي لغة كانوا يتعبدون؟ وما معنى أن بني قريظة وبني النضير من الكوهانيم ( أى الكهنة من نسل هارون)، مع أن نظام الكهنوت اختفى فى اليهودية بعد سقوط الهيكل عام 70 ميلادية؟ ثم أضفت سؤالاً عن موقف يهود العالم آنذاك من يهود المدينة، وهل كانوا على صلة بهم أم لا؟ وهل كانوا يعترفون بهم يهودًا؟ وهذا يثير قضية هل مصطلح ( يهودي) فى القرآن يشير الى يهود المدينة، أو الى يهود العالم المعاصرين للبعثة المحمدية، أو الى يهود العالم فى الماضي والحاضر والمستقبل، أى أنني أثرت تساؤلات بخصوص الإستمرارية التى يفترضونها.
ثم تساءلت: هل المسلم ملزم بالتعريف الإسلامي لليهودي ( من أهل الكتاب، يؤمن بكتاب مقدس، ومن ثم بالله وباليوم الأخر) أو بالتعريف اليهودي ( من يؤمن باليهودية ومن ولد لأم يهودية)؟ والسؤال طبعًا خطابي، فالمسلم ملزم بالتعريف الإسلامي وحده، ومن ثم فالغالبية الساحقة اليوم ليهود العالم لا ينطبق عليهم التعريف الإسلامي لليهود!
(
الأغلبية الساحقة ليهود العالم الأن ملاحدة أو على الأقل لا يكترثون نهائيًا بشعائر الديانة اليهودية وكذلك كان قادة الحركة الصهيونية الأولى مثل تيودور هرتزل وماكس نوردو)
ثم أشرت الى أن التاريخ الإسلامي عامل أعضاء الجماعة اليهودية من خلال مفهوم أهل الذمة، وأن تاريخ المسلمين لم يشهد عمليات هجوم أو إبادة أو طرد لليهود، وأن هناك أعدادًا كبيرة من اليهود دخلت الإسلام وحَسُنَ اسلامها وانصهرت فى صفوف المسلمين( وإلا فبم نفسر أن اليهودية كانت بالأساس ظاهرة شرقية إسلامية، توجد داخل العالم الإسلامي، ثم تحولت بالتدريج الى ظاهرة مسيحية؟). بل إن عمليات الطرد التى تمت فى بداية الحكم الإسلامي كانت نتيجة لخرق المواثيق مع المسلمين، وكانت تهدف الى تأمين قلب الأمة الإسلامية. كما أن عقاب الطرد لجماعة بدورية كان عقابًا مقبولاً لدى الجميع، وكان يعني إعادة التوطين فى منطقة أخرى.
وأخيرًا أكدت مفهوم الفطرة الإسلامي، وأن الإنسان يولد على الفطرة الإنسانية، بكل ما فيها من خير وشر، وأن أبويه يُهودانه أو ينصرانه، ومن ثم فمفهوم الهُوية كنتاج للوراثة، أمر غير معروف فى الإسلام، وحينما يتبناه التآمريون فإنهم يتبعون مفهومًا غير إسلامي. فمن منظور إسلامي، لا يمكن أن يؤخذ يهود اليوم بجريرة يهود الماضي، فالخطيئة - مثل الإستقامة - لا تورث. ولهذا نجد أن الخطاب القرآني لا يتحدث عن اليهود فى عموميتهم إنما دائمًا يخصص (" ومن أهل الكتاب... ").
فوجئت عند هذه النقطة بأن أحد الحاضرين يخبرني أن ما أقوله مقنع للغاية، لكن رجاني ألا أذكره خارج هذه الجلسة. فضحكت وقلت: أنت إذن تفضل الحكمة البراجماتية على الحكمة الإلهية. وانفض المجلس!
ثم طرحت اجتهادي الأولي ( والذي وافقني عليه كثير من الفقهاء) وهو أن مصطلحات مثل " يهودي أو " بني اسرائيل " تشير الى شخص تتوافر فيه بعض السمات التى لو توافرت فى أى شخص ( ملحدًا كان أم بوذيًا) فإنه يصبح يهوديًا (ولفظة " يهودي " بهذا المعنى لا تختلف فى استعمالها عن لفظة " فرعون"، والتى لا تعني "حاكم مصر" وإنما أى شخص تتوافر فيه سمات "الفرعنة").
وعلى كل فهذا اجتهاد أولي أطرحه كتساؤل على الفقهاء، حتى يُفتحباب الإجتهاد مرةً أخرى بخصوص هذه القضية. فالفقه الإسلامي، نظرًا لإستقرار وضع اليهود ( كأهل ذمة داخل المجتمع الإسلامي)، ونظرًا لعدم أهميتهم، ونظرًا لعدم توافر المعرفة الكافية بتطور اليهود واليهودية، لم يُتعمق فى الموضوع بما فيه الكفاية. والفقهاء كانوا على حق فى ذلك. فكل مجتمع يحاول أن يجيب على الأسئلة التى تهمه. لكن الوضع اختلف تمامًا الأن. فإشكالية اليهود أصبحت إشكالية مركزية."

________________________________
د. عبد الوهاب المسيرى
(رحلتي الفكرية.. فى البذور والجذور والثمر.. سيرة غير ذاتية غير موضوعية)

هناك تعليق واحد:

الدرعمي يقول...

السلام عليكم .. أنا والله لسة كنت بقول الكلام ده في مناقشة بيني وبين أصدقائي استمرت حتى الفجر ومحدش مقتنع بس الحمد لله إن الدكتور المسيري الله يرحمه كان مقتنع بكدة .. جزيت خيرا @تقبل وافر احترامي@