الثلاثاء، ١ أبريل ٢٠٠٨

تشكيل هوية المملكة المسيحية داخل الإطار العالمى..

عنوان جانبى هام جدًا: لماذا يكرهوننا؟!
ويستتبعه تعريف ضرورى لعملية: " تشكيل ( التهديد الإسلامى) أو اختراعه "
من الضرورى إدراك أن عملية تشكيل الهوية هى عملية بسيطة ومعقدة فى نفس الوقت. وتأتى بساطتها من أن "الأنا" (والتى يتم تعريفها بنحن) لا توجد فى الواقع. لم تكن أوروبا كيانًا متجانسًا، وإنما كانت ممزقة جرّاء صراعات داخلية عميقة بين الفلاحين والنبلاء، بين النبلاء والحكام، بين الحكام والكهنة، بين الحكام والبابوات، بين البابوات وأباطرة روما المقدسين. وبالتالى لم يكن هناك تجانس حقيقى.. الطريق الوحيد لصك هوية واحدة كان بتشكيل "آخر" خارجى تتكون ضده "أنا" متجانسة.. وباعتبار أنه لم يكن هناك "أنا" واحدة، فكان من الأسهل تعريفها بما لا يعبر عنها. ومن الأساسى الإشارة هنا الى أن الأنا والأخر هما محض تمثيل أو تشكيل مبنى على السؤال: كيف نود أن نرى "نحن" و "هم" ؟
فى سياق القرون الوسطى، مثلت "الأنا" كل ماهو جيد وصحيح، بينما تشكل "الآخر" كشر أو المقابل غير المرغوب فيه. ومن ثم كانت المهمة الأولى هى البحث عن آخر متخيل وتشكيله.
لكن من نختار؟ باعتبار أن الأساقفة المسيحيين أصبحوا اللاعبين الرئيسيين فى تكوين الهوية الأوروبية، فقد اختاروا الاسلام كمرشح مناسب. إلا أنه يجب تشكيل الإسلام ليس فقط كأذى، وإنما - أيضًا - كتهديد، حتى يمكن للأوروبيين الاتحاد ضده. فكما أشار "Maxime Rodinson" بذكاء: "
اعتبر المسلمون تهديدًا للمسيحية الغربية قبل أن يتحولوا الى مشكلة بوقت طويل"
كيف اذًا تم اختراع الإسلام كتهديد شرير؟
بادئ ذى بدء - ورغم كل الخطب البلاغية - أثبتت نشأة الإسلام أنه عطية بالنسبة لمروجى الأساطيرالأوروبيين. فقد أدان المسيحيون الإسلام على الفور باعتباره ديانة وثنية. ( رغم أن الديانتان تتقاسمان تشابهات أساسية عديدة ) وقد تم تحليل ذلك باستحضار قصة نوح وأبنائه الثلاثة من سفر التكوين فى الكتاب المقدس: " أعطى يافث "أوروبا المسيحية " التى كان قدرها التوسع، بينما أعطى سام آسيا التى كان يسكنها ( الوثنيون / الكافرون ) والذين كان قدرهم أن يمتصهم يافث وكان ذلك مفيدًا بشكل خاص من أجل تمكين سماسرة القوة المسيحيين الرئيسيين من تمثيل الإسلام بصفة عامة ومحمد بصفة خاصة كتجسيد للشر الوثنى. بالفعل وصفه البابا " إينوسنت الثالث" ب "وحش سفر الرؤيا".
بلغ شجب محمد أوجه فى " جحيم دانتى "، حيث يستكشف الكاتب أعماق جهنم التى تحتوى على 9 طبقات عميقة، كلما كان الشخص شريرًا فى الحياة كانت الطبقة التى حكم عليه بها أعمق. من المثير للدهشة أنه عند الحلقة الثامنة، تقريبًا عند القاع - تعرض دانتى لمحمد. وكان الناس الذين أتوا بعد محمد هم الأكثر غشًا مما شهده العالم. الأكثر بروزًا منهم "يهوذا الإسخريوطى" و "بروتوس"، وهم الأشخاص الذين وضعوا قبل النهاية قبل أن يصل دانتى الى القاع حيث يقبع الشيطان.
بالإضافة الى ذلك وكما يشير " Edward W. Said" الى هذا المقطع المهم من الكتاب: " إن عقاب محمد، وهو فى نفس الوقت قدره الأبدى، هو عقاب مقزز بشكل غريب: حيث يستمر شقه نصفين من ذقنه الى شرجه دون انقطاع، كما يقول دانتى، كبرميل خشبى محطمة جوانبه. عند هذا الحد لا يحجب دانتى عن القارئ أيّا من تفاصيل العقاب فى الحياة الآخرة: حيث يتم وصف أمعاء محمد وفضلاته بدقة تفصيليًا " من المثير - رغم ذلك - أن دانتى قاوم ايداع الفلاسفة المسلمين فى الجحيم، بافتراض أنه تأثر بشدة بكتاباتهم، وبدلاً من ذلك أودعهم منطقة " الليمبو" الحدودية.
بصفة عامة وكما تقول " Rana Kabbani": كان ينظر للاسلام على أنه نفى للمسيحية، ولمحمد كدجال وشر حسى ضد المسيح فى حلف الشيطان، وكان ينظر للعالم الاسلامى بأنه ضد أوروبا".
تطلبت هذه العملية الابتكارية الاختراع لعدة أسباب.
أولاً: حقيقة أن الاسلام والمسيحية يتقاسمان أشياء كثيرة مشتركة. يؤمن المسلمون والمسيحيون بنفس الإله الواحد. وفى الوقت الذى يرى فيه المسلمون محمدًا - وليس يسوع - الرسول الرئيسى للإله، الا أنهم يعترفون بالمسيح كرسول مهم، ومن الأهمية إضافة أنهم كانوا سعداء بالتسامح فى وجود المسيحيين بينهم. اضافة الى ذلك ترجع جذور الديانتين الى النبى ابراهيم.
الخلاصة هنا هى أن التشابهات العميقة بين الديانتين كان يمكن لها أن تمثل جسرًا لاخراج علاقة متوازنة بين أوروبا والشرق الأوسط، الا أنه فى النهاية فضلت النخبة الأوروبية السفر فى طريق أدى بهم الى كبح المسلمين بهدف "توليد صناعى" ل " أنا " أوروبية متجانسة.
الطريقة الثانية التى صور بها الإسلام كتهديد متأصل، كانت عن طريق بناء نوع من " نظرية الدومينو" الإسلامية. وكان ذلك بسيطًا ومعقدًا فى نفس الوقت: بسيطًا لأن الإسلام التزم المفهوم العالمى للجهاد ( رغم أن هذا تم فهمه خطأ بطريقة مقصودة ) وللسخرية كان معقدًا وتطلب براعة متناهية، لأن المسلمين لو أرادوا لأمكنهم اجتياح الجزء الغربى المتخلف من أوروبا، الا أنهم آثروا ألا يفعلوا. إن هذه النقطة بالطبع تتصادم مع ادعاء " مركزية أوروبا " العام بأنه لولا احباط غزوة اسلامية فى عام 733 - وليس 732 كما هو شائع - فى مدينتى توار وبواتيه الفرنسيتين أو "بلاط الشهداء" على يدى شارل مارتل - يطلقون عليه لقب المطرقة - لكان تم اكتساح أوروبا.
وكما يقول لنا "Edward Gibbon" لو كان حدث ذلك: " لكان من الممكن الآن تعليم تفسير القرآن فى مدارس أكسفورد، ولكان الوعاظ على المنابر يصورون للمختتنين قداسة الوحى لمحمد وحقيقته. لقد تخلصت المسيحية من تلك النكبة بعبقرية رجل واحد وحظه " إلا أنه فى تواريخ المسلمين عن تلك الفترة نجد أن معارك توار وبواتييه وشخصية شارل مارتيل لا تكاد تذكر.
وبالمقابل يولون اهتمامًا أعظم بكثير بهزيمة العرب فى القسطنطينية عام 718م
وكما يفسر "Bernard lewis": "لا يوجد شك فى أن تجاهل توار وبواتييه والتأكيد على القسطنطينية يرجع الى أن المؤرخين المسلمين نظروا الى الأحداث فى إطار أكثر واقعية من المؤرخين الغربيين الآخرين. إن المنتصرين الفرنجة فى بواتيه تصادموا مع ما يربوا قليلاً على زمرة من المغيرين المسلمين يقاتلون فيما وراء أكثر حدودهم بعدًا، مئات الأميال عن وطنهم.......................... لقد كان فشل الجيش العربى فى القسطنطينية، وليس فشل مجموعة من المغيرين العرب فى توار وبواتييه هو الذى مكن المسيحية سواء شرقية أو غربية من البقاء " وهكذا، فى الوقت الذى استولى فيه المسلمون على أجزاء عديدة من أوروبا الغربية أبرزها أسبانيا وصقلية، وفى الحقيقة لم يكن لديهم اهتمام بالذهاب أبعد من ذلك.
والسبب كان بسيطًا: الجزء الغربى من أوروبا كان متخلفًا وقليل الفائدة بالنسبة لهم. بيزنطة كانت أكثر قوة وأكثر جاذبية.
وفى الواقع سببت الموجات الكثيرة من الهجرات التى تدفقت على أوروبا دمارًا أكثر مما قامت به الفرق الإسلامية المغيرة. انه من المهم هنا ذكر أن القائمين على الخرافات الأوروبية اختاروا أن يبالغوا فى التهديد العالمى للاسلام من أجل توطيد هوية أوربية جديدة بصفتها ( المدافع الأوحد عن الدين الحقيقى الذى هو المسيحية).
وقد سعى الوعاظ المسيحيون الى بناء نوع من " نظرية الدومينو الإسلامية ". فمثلما ارتبطت نظرية الدومينو التى اخترعتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 1947 باختراع "التهديد السوفييتى" الذى وجب احتواؤه، بنفس الطريقة وجد وعاظ القرون الوسطى المسيحيون أنه من الضرورى أن تتواجد أوروبا وتقوى ك " حصن كلى " ضد ما يسمى بالتهديد الإسلامى العالمى. وبالتالى كانت تنتشر بصفة دائمة بيانات مثل تلك التى أعلنها أساقفة ( الرايمز - Rhiems ) فى تروزلى عام 909م:
" ترون أمامكم أن غضب الإله قد تبدى............... يوجد دمار، وقد أخليت المدن من ساكنيها، ودمرت الأديرة تدميرًا أو أكلتها النيران، وأقفرت الحقول، فى كل مكان يضطهد القوى الضعيف، وأصبح الإنسان مثل الأسماك فى الماء يأكل بعضها البعض عميانًاً "
وجدت استراتيجة الاحتواء تعبيرها الأكثر وضوحًا فى "الجولة الأولى " من الحروب الصليبية (1291:1095)
ومن المثير للسخرية استجابة النبلاء الى نداء البابا أوربان الثانى الحاشد بصفتهم " فرسان المسيح " مسلحين بمعرفة أنهم اذا سقطوا فى القتال سوف يصبحون شهداء مسيحيين، وسف يتم تعويضهم بسخاء بجواز سفر الى الجنة.

** ** ** ** **

* اختراع المملكة المسيحية:
بعد أن تم بناء الإسلام ك " تهديد شرير" بقى صياغة هوية لنصف أوروبا المتخلف. ومن الأهمية هنا ذكر أنه ليس هناك ذلك الشئ المسمى أوروبا، اذا ما افترضنا أن مثل هذا الكيان يوجد فى مكان جغرافى محدد المعالم.
فليس هناك شئ طبيعى عن ( مفهوم أوروبا ). فلقد كانت أوروبا دائمًا فكرة.. شئ تم بناؤه وإعادة بنائه بمرور الوقت. كما تم تعريفها وإعادة تعريفها ليس كدلالة علمية أو موضوعية لتغير ظروف جغرافية أو حدود، وإنما تبعًا لتعريف أخلاقى يعيد ترسيم الحدود الجغرافية لما يشكل أوروبا فى أى مرحلة وقتية.
أخيرًا، إن مثل هذا التعريف الأخلاقى مبنى على الطريقة التى يحب أن يرى بها الأوروبيون أنفسهم.
كيف اذن شكلت أوروبا نفسها فى مقابل الأخر الاسلامى؟
النقطة الأولى التى نسجلها هنا هى أنه تمت صياغ الأنا فى إطار عالمى.
لقد أصبحت أوروبا تعرف ب ( المملكة المسيحية ) حيث تم تخيل هويتها أو ابتكارها كمسيحية كاثوليكية فى تمييز مغاير للشرق الأوسط الإسلامى.
وقد ميز ذلك المرحلة الأولى من مراحل تشكيل الهوية الأوروبية والتى سوف تستمر حتى القرن 16
إن اعتبار أوروبا مملكة مسيحية كان فكرة منعكسة من أن المسيحية أصلاً كانت ديانة شرقية. ويستلزم تقديم أوروبا بصفتها الممثلة لمكان الميلاد أو "المدافع" عن الإيمان المسيحى بعض الحيل الفكرية البهلوانية، من أجل أن تبدو الصلة بين أوروبا والمسيحية منسجمة بشكل طبيعى.
وكانت إعادة استحضار قصة سفر التكوين حول أبناء نوح الثلاثة مهمة للغاية هنا، حيث تم تمثيل الإسلام كدين وثنى.
وهكذا تمت إعادة تمثيل أوروبا بصفتها مصدر المسيحية، والتى ستصبح مهمتها نشر رسالتها العالمية فى أنحاء العالم من أجل اعادة (الوثنى / الملحد / المسلم) الى صوابه.
_____________________________
يعتمد الكلام بالأعلى بشكل رئيسى على كتاب ( الجذور الشرقية للحضارة الغربية/ بروفيسور جون هوبسون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيفيلد الانجليزية)
بالاضافة الى تصرفات من كتب:
(استراتيجية الاستعمار والتحرير/ د. جمال حمدان)
(الاستشراق/ بروفيسور ادوارد سعيد)
كورس How 2 Present Islam




هناك ١٠ تعليقات:

أحمد منتصر يقول...

تماموز بالموز يا معلمي

الموضوع حلو أوي ومفيد

متبقاش بقى تغيب عنا كتير كده

:)

غير معرف يقول...

بارك الله فيك. هؤلاء قوم توارثوا كراهية النبي صلى الله عليه وسلم و أعمى الله قلوبهم عن الحق. فالحمد لله أن جعلنا مسلمين. إن اللذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون

يمامة شاردة يقول...

الموضوع طويل .. بس شدني و قريته كله

.........

ممكن تفاصيل أكتر عن الكورس؟

Empress appy يقول...

ربنا يكرمك يا رب
فيه وجهات نظر كويسه فى الموضوع تسلم ايديك

غير معرف يقول...

بحث مفيد جدا
و أكيد تعبك في تجميعه
و فيه معلومات و تحليلات غاية في القيمة

...... الغاوي غاوي يا ريس

أحمد عبد الفتاح يقول...

أحمد منتصر:
العفو يا حبى

أحمد عبد الفتاح يقول...

د.إيهاب يونس:
سعدت جدًا بتشريف حضرتك للمدونة بالزيارة والتعليق.. متفق تمامًا مع حضرتك.. وأرجو أن يتقبل الله دعوتك لى بالبركة

أحمد عبد الفتاح يقول...

يمامة شاردة:
يشرنا يا ندم ان الموضوع عجبك
هبعتلك تفاصيل الكورس فى تعليق عندك باذن الله

أحمد عبد الفتاح يقول...

Appy العزيزة:
تسلمى يا فندم.. ورينا يديم زياراتك

أحمد عبد الفتاح يقول...

عبد الله باشا طلحة:
بسم الله ما شاء الله.. أهل الخير كلهم موجودين أهو الحمد لله
الحمد لله يا باشا ان الموضوع عجبك
وزى ما انت قولت
الغاوى غاوى:)
بقولك:
متقطعش الزيارة بقى