الاثنين، ٢٨ يناير ٢٠٠٨

شيمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

شيماء لم تدرك قواعد اللعبة جيدا بالتأكيد..هذه الأمور لاهزر فيها أبدا، كهجرات الطيور..كعمليات المخابرات؛ لابد من موعد سليم لا يتقدم ولا يتأخر، لكن الصغار أو _بالأحرى_ الأنا الخالصة التى تملأ كيانهم لا تهتم بكل هذا الهراء_من وجهة نظرها_ عندما يتعلق الأمر بالمتعة.
وحينما كانت صديقاتها يتحدثن_دون خجل_ عن الموضوع والمتعة التى تستبعه كانت تنظر اليهن بانبهار ممزوج بالشك الذى يتحول فيما بعد الى دهشة حينما تنفرد بنفسها وتفكر توطئة لأن تتساءل:كيف جرؤن على الحكى؟! فضلا عن الفعل..ثم تبدأ شكوكها فى الفوران مرة أخرى
هل يلعبن عليها لعبة ما؟
هل يقلن هذا ليدفعنها الى التجربة؟!
لا تعتقد أنهن بمثل هذه القسوة..دعك من أن نظرات المتعة _التى تكاد اشعاعات نيرانها المنبعثة من عيونهن أن تحرقها_ تشى بكل وضوح أنهن صادقات، هذه ليست متعة كاذبة..هذه متعة تريد أن تكرر!
اذا فالأمر حقيقى..لم تتيقن شيماء من هذا الا حين دعتها احداهن للتجربة بنفسها.
الفكرة نفسها لم تكن جديدة عليها_وان لم تظهر ذلك لصديقاتها فى وقته_ بل انها حينما عرض عليها ذلك الاقتراح الأثم_للمرة الأولى_ لم تتردد فى اظهار الغضب والسخط اللازمين فى وجه صديقتها..بيد أنه أنه مع طول الملازمة واستمرار الالحاح والصطدام بالنظرات المستمتعة لم يبد لها الأمر بهذا السوء الذى ظنته فى البداية..
ثم ان الأمر_كما يقولون_ سهل جدا، والطرف الأخر يعرف حدوده تماما ولا يمكن أن يذهب بنفسه وبها الى الطريق الذى لا عودة منه ولا اصلاح له.
بعد أسبوعين من العرض الذى قدم له أول مرة باتت شيماء مستعدة للتفكير فى الأمر بشكل جدى..استيقظت فى نفسها دوافع البحث عن كل جديد والسعى وراء كل غريب وان أخفت ل هذا بقناع من الجدية فرضه عليها المجتمع باعتبار أنها أنثى ومراهقة.
دعك من أن بالأمر متعة كما يقولون، فلابد أنها متعة عظيمة تلك التى تجعلهم يلحون ويبالغون فى الحاحهم عليها لقبول الأمر ولتجرب بنفسها..
وتحول السخط الذى حاولت أن تقنعهم وتقنع نفسها بصدقه فى البداية الى شغف شديد للتجربة واقبالا كبيرا على هذه المتعة مدفوعة الى ذلك بحبها لكل جديد وممتع ثم _وهذا هو الأهم_ رغبتها فى كسر كل تلك الحواجز التى وضعتها التقاليد عليها حتى وان كان ذلك ضارا بها فبدت أشبه بسهم مشدود على وتر قوس عظيم، اذ ينفلت فجأة فينطلق مخترقا كل الحواجز متحررا من كل القيود، غير عابئ أو مهتم.
والأمر_كما يدعون_ سهل جدا، اذ أن كل ما عليها هو تغيير مسارها الطبيعى فى الصباح من المدرسة الى الحديقة_أشهر حديقة بمصر_مع بعض الماكياج البسيط، كما أنه ليس ضروريا أن تخلع حجابها اذ لم يعد دليلا على الاحترام.
لذا..
نجدها بعد أن اتفقت مع صديقاتها على الذهاب وحدها دون مرافقتهن قد غيرت مسارها الشارع الكبير المفضى الى الحديقة ووقفت على بابها وتظاهرت بأنها ليست طعما لاصطياد أحدهم..
و(هو)كان قادما من بعيد..
رأته وهو قادم يحمل وجهه أثار توتر خفيف _رأتها على البعد_ لابد أنه نتج عن خوفه أن يكون أحدهم قد رأه وهو يقفز من فوق سور مدرسته الثانوية المجاورة وان حل محل هذا التوتر الأن اهتماما غزا وجهه وهو يتطلع اليها بحذر مقتربا ثم مبتعدا متظاهرا بالضحك قليلا مع أصدقائه ولن لم تغب عن عينيه لحظة حتى تأكد من أنها هى المختارة فتقدم وعينه فى عينيها سائلا اياها مقتحما: اسمك ايه يابت؟
* * * *
يجدر بنا التوقف هنا لاجلاء الغبار عن حقيقتين هامتين:
أولا:هو لم يكن صيادا ماهرا، ليس صيادا على الاطلاق..هناك الأسد، أقوى حيوانات الغابة وأسلوبه فالصيد مباشر للغاية فهو يجرى وراء الفريسة حتى يرهقها فتقع فى يديه وبين أنيابه وهناك الثعلب..ليس بمثل قوة الأسد لكنه أذكى منه بالتأكيد وهو يستخدم ذكاءه هذا فى الايقاع بفريسته فيختبئ لها ويحاول أن يفاجئها بهجومه فتشلها المفاجأة وتمنعها التفكير ثم الحركة للحظات يكون هو فيها قد أنهى الأمر..وهناك الضبع أجبن حيوانات الغابة، لا يتغذى الا على الجيف والميت والمريض من الحيوانات مما يعف عنه الأسد بشرفه والثعلب بذكائه..
وهى_فى لحظة التعارف_ كانت تمثل لروح الضبع الجبان بداخله جيفة ملقاة على جانب الطريق يعف عنها كل عاقل وما كان استخدامه لهذا الاسلوب المقتحم الا لتأكده من قبولها ذلك لأن وجودها فى هذا المكان فى تلك الساعة لهو دليل دامغ على أنها تعرف ما تريد وهو يعرفه بكل تأكيد..
دعك من أنها ليست جيفة سيئة..
فخصلة شعرها التى أصرت على اظهارها من تحت "الايشارب" تقول أنها تملك شعرا بهيم الصبغة ينسدل على جبهة واسعة بيضاء تحفها من أسفل الرموش الطويلة حامية عينين بلون الشعر ثم شفتان لا بأس بهما الى الذقن المدبب صغير الحجم.

ثانيا:هى_رغم أنها تراه للمرة الأولى_الا أنها تعرف عنه كل شئ تقريبا باستثناء اسمه طبعا قالت لها صديقاتها: هم يتشابهون فى كل شئ.. يعتقدن أن هناك مصنعا ينتج هذه النوعية من البشر بالدستة.. وهو كما وصفوه لها تماما.. يتظاهر بالاناقة بملابس صارخة الألوان مليئة بالعبارات البذيئة المكتوبة بكل اللغات الممكنة.. يتظاهر بخفة الدم بنكات ولا أقذر منه ثم يتبعها بلمسات حساسة ستبدو عفوية فى البداية ثم تنقلب الى لمسات وقحة مع استمرار السكوت من جانبها الطوق البلاستيكى الرخيص الذى يحيط به رقبته، ثم _وهذا هو الأهم_ لابد من "جيل"رخيص لا يثبت تسريحته الغربية بقدر ما يملأ شعره قشورا بيضاء..
حتى نقوده التى سيخرجها عما قليل ليدعوها الى أى طعام رخيص داخل الحديقة تعرف من أين أتى بها، فلابد أنه سرق أحد أبويه فعليا أو سرقهما بأن لم يذهب الى درسه الخصوصى واستبقى النقود لنفسه.. كل هذا وأكثر كانت تعرفه عنه، والخلاصة أنها كانت تحتقره أشد احتقار ومع ذلك فقد صممت على اكمال المشوار الى نهايته!
* * * *
وبما أنها قررت الاستمرار_رغم الكره_ فقد وجب عليها تحمل كل سخافاته.. هو أيضا..كان يمارس دوره كضبع جبان بمنتهى الاتقان..وربما هى الغريزة الحيوانية هى التى تحركه الأن وتتحكم حتى فى رسم التعبيرات على وجهه. يتقرب اليها..ثم يبتعد.. يختبر_بخبرته الانحرافية الطويلة_ ردود أفعالها تجاه تصرفاته ولمساته.. يحاول_كما الضبع_أن يتشمم جيفته الجديدة..
هل بها أثر من حياة؟

هل يمكن أن تقاوم؟
أم أنها تريد ذلك وتنتظره؟!
لم يعرض عليها عرضه فى أول لقاء، مما أصابها بخيبة أمل كبيرة دفعتها الى التفكير فى الغاء الفكرة كلها لكنها_تأثرا بمتعة التخلص من القيود_قررت ان تستمر للقاء أو لقائين اخرين ثم انها عرفت حينما حكت لصديقاتها أن هذا سلوكا طبيعيا فى بداية التعارف حتى يعلم ماهى اتجاهاتها،هل تريد مجرد لقاءات عادية أم أنها تريد_وتستطيع_اكمال المشوار لنهايته.. استمر على حاله المترقبة هذه،الكر والفر ، القرب والبعد، اللف والدوران حول طلبه وسؤاله حتى قرر أن يحسم الموضوع بعد أن فارت الدماء فى عروقه ولم يعد قادرا على الاستمرار، فسألها:
_ايه رأيك لو ندخل بيت الحرس القديم؟
لم ترد لكنها ابتسمت و سبقته الى الطريق كعلامة أكيدة على موافقتها.. لم تكن ابتسامتها ناتجة عن سعادة به أو حب له، لكنها سعادة بحداثة التجربة بالنسبة لها كنها عادت مرة أخرى لطريق الخوف على نفسها ما الذى يضمن لها أن ذلك الوغد لن يتعدى حدوده؟ فكرت ثم وضعت لنفسها خطة.. اذا أحست للحظة أنه _فى غمار شهوته_سيتعدى حدوده ستصرخ..لذا اصرت أن يكون لقائهما فى حمامات السيدات التى تتبع منزل الحرس القديم ستصرخ وهى تعلم أن الحارسة المرتشية التى ستسمح بدخولهما معا ستقف بجوارها حتى لا ينخرب بيتها وتضيع.. نعم ستصرخ..وما ان توصلت الى هذا القرار حتى ارتاحت وعادت ليها سعادتها القديمة بالتجربة وحينما لاح لها "بيت الحرس القديم" على البعد تخيلت لوحة على بابه مكتوب عليها بالبنط العريض:
No Blood..that is better for both of you

* * * *


يقولون أن التعود يقتل الرعب، يقتل الغرابة أيضا، الأن تعرف شيماء أنه يقتل المتعة كذلك
هى طفلة..تعرف أنها طفلة..سنوات عمرها التى لم تتجاوز السادسة عشر تقول أنها طفلة_وان بدت "فسيولوجيا" أكبر من ذلك كثير_ وكانت تعرف أنها ستمل هذه اللعبة فى وقت ما، لكنها أصرت بغباء بالغ _تلعنه الأن_ أن تكمل اللعبة الى النهاية..
باستمرار اللقاءات فقدت شيماء حماسها القديم للتجربة وانطفأت جذوة شغفها بالأمر الذى واظبت عليه لمدة شهرين تقريبا..
ثم_وهذا هو الأهم_استعادت كرامتها الأنثوية الوليدة وعيها..
لم تعد تفلح معها مسكنات المتعة الزائفة وبدأت_كما المريض الذى يستعيد وعيه بعد زوال تأثير المخدر_تسأل عن موقعها ودورها فى كل تلك الأحداث المخزية التى مرت بحياة شيماء مؤخرا..
فى تلك اللحظة بدأت تنتبه الى حنق ضميرها الذى طال وغضب كرامتها الذى بدأ ثم اشتد بسرعة أذهلتها..لم تعد تستطع النظر فى عينى أبيها ولا أمها ولا حتى أخيها الرضيع..تبدى لها ذل السرية وسفالة صاحبها والنظرات الساخرة التى كنت ترمقها بها حارسة الحمام والتى كانت تقول بكل وضوح:أه يابنت الكلب..لولاش أكل العيش بس كنت فضحتك انتى واللى زيك، تبدى لها كل هذا ككائن خرافى اسود يتسلى بها نهارا قبل أن يذهلها عن النوم ليلا ويذهب بها الى بحر الدموع ويغرقها فيها..
صحيح أنها لا زالت "صاغ سليم" لكن هذا جسديا فقط، ماذا عن بكارتها النفسية التى تخترق الف مرة بوخزات ضمير معذب وضربات كرامة غاضبة جراء الاهانة..
لم يعد للحياة نفس معناها القديم..البرئ، لم تعد الدنيا بمبى فى عينى شيماء، لم تعد طفلة..
صهرتها التجربة الأخيرة وقفزت بها فوق سنى المراهقة الى الشباب وربما الكهولة، صارت امرأة كاملة
لذا قررت أن تتعامل مع الأم بحسم..
فى اللقاء التالى بادرته صارخة: انت هتتجوزنى..مش كده؟!
* * * *

تقف فى شرفتها وقت المغيب..لطالما أحبت ارتشاف العطر السماوى اللونى الجميل وأحست به يطهرها من كل أثار التجربة التى لا تريد أن تتذكر منها أى شئ لكنه بوازع من ضمير لم يرتش ولم يسكر كانت تعود _ربما هى عقدة الذنب أو رغبة باطنة فى أخذ العبرة_
"للحق نقول أنه فوجئ..جيفته المفضلة _التى لم ينته منها بعد للأسف_ تطالبه بالثمن وتطالبه بأن يدفعه الثمن وما أقسى عقابها اذ تقيده بهذه الطريقة عن ممارسة الحرية_كما يعتقدها_لكنه لم يجفل كما هى العادة فالموقف يتطلب منه المواجهة والا كانت الكارثة والفضيحة التى عرفها من مجنونة فضحت نفسها مع ضبع اخر وتسببت فى قتلها وقتله..
كان التأثير النفسى مريعا عليه لكنه لم ينس فى غمرة رعبه أن يسألها اذا كان قد تخطى حدوده الحمراء ولم يعد من حل الا الزواج لكنه أجابته بالنفى فاستراح وسمح للضبع أن يعود مرة أخرى فيستولى على كيانه أملا فى لقاء ممتع أخير لكنه لم يكن لديها أدنى استعداد لتكرار التجربة التى اصبحت بالنسبة لها الأن أكثر بغضا من أن تلقى فى النار..
فتركها وذهب الى حال سبيله،نظرت اليه فى ارتياح ثم غادرت من الاتجاه المعاكس
هى ليست غبية..
كانت متأكدة أن أى خروج من متاهات الألعاب القذرة هذه ومطالبته بدفع ثمن متعته سيكون كافيا جدا لأن يبتعد عنها وكان هذا ما أرادته هيا بكل ذرة فى كيانها..
مرة أخرى تنظر الى الأفق المحمر بأخر أضواء الشمس المحتضرة وتنظر الى داخلها
ربما طهرتها نيران عذاب الضمير لكن التجربة تركت فى نفسها ندبة وجرحا تتمنى لو كان الزمن قادرا عليهما..
* * * *
تمت بحمد الله
القاهرة فى10/2/2007



هناك ٦ تعليقات:

paranoia,magnetic & dramatic girl يقول...

ازيك يااحمد
يارب تكون بخير
....
جميلة اوي يااحمد القصة دي
وتحليلك النفسي للبنت في السن ده جميل
والنهاية كمان متمكنة مش أي كلام
الحمد لله انها نجت:)))
اصلي اتأثرت منها
ربنا يوفقك
دودو

Empress appy يقول...

قصه حلوة بس هطبعها بقى واقعد اقراها تانى فى البيت بعد إذن سعادتك يعنى

أحمد عبد الفتاح يقول...

ازيك انتِ يا دودو..
يارب تكونى بخير..
......
الحمد لله ان القصة عجبتك..
مش عارف ساعات بحس انى خبرة أوى فى حكاية التحليل النفسى دى وساعتا بحس انى حمار فيها
بس الحمد لله المرة دى فلحت
شكرا جدا على المرور والمتابعة

أحمد عبد الفتاح يقول...

الصديقة Appy
الحمد لله ان القصة عجبتك
القصة وصاحبها ليهم الشرف على الاهتمام ده..
وأتمنى ان ارأى النهائى يكون زى الرأى المبدئى

أحمد منتصر يقول...

قصة قصيرة نموذجية حلوة :)

ghalia يقول...

الله الله الله
قمة الروعة
تصويرك للى بيدور فى نفسية البنت فى الحالة دى أكتر من رائع
وأنا بقللك ان مستحيل يقدر الزمن على اخفاء الندوب والجراح اللى تركتها التجربة فى روحها
يمكن بس تكون أكسبتها مناعة وبعض وعي انها ما تكررش اللى حصل مرة تاني

برفع لك القبعة بجد
ألف تحية