الأربعاء، ١٩ نوفمبر ٢٠٠٨

القرضاوي - كعادته - متألقًا..

.. أيضًا هناك تغير المكان، وهو ما نص عليه علماؤنا السابقون بصراحة فى موجبات تغير الفتوى، فلا شك أن للبيئة المكانية تأثيرها فى الفكر والسلوك، ومن هنا نرى ان البدو مختلف عن الحضر، والريف مختلف عن المدينة، والبلاد الحارة تختلف عن البلاد الباردة، والشرق مختلف عن الغرب، ودار الإسلام غير دار الحرب، وغير دار العهد. وكل مكان من هذه الأماكن له تأثيره فى الحكم على خلاف مقابله، فلا يجمد العالم على فتوى واحدة، لا يغيرها ولا تحول عنها، بل لا بد أن نراعي هذه الإختلافات والتغيرات التى ذكرناها، ليتحقق العدل الذى تريده الشريعة، والمصلحة التى تهدف إليها فى كل أحكامها.
بين البدو والحضر:
وقد ذكر القرآن الكريم أثر البادية على أهلها، حين تحدث عن " الأعراب " فقال:" الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم "
وفى الحديث النبوي " من بدا جفا "
واذا كانت خطة الإسلام أن ينتقل بأهل البادية الى الحضارة، فكان كل من أسلم منهم يجب عليه أن يهاجر الى المدينة ليتعلم ويتمدن، وكان من كبائر الإثم أن يرتد الرجل أعرابيًا بعد هجرته، فلا غرو أن يكون للبادية أحكام غير أحكام الحضر، فيما للبداوة تأثير فيها.
ومما ذكره العلماء هنا: ما يتعلق بإنكار فريضة من فرائض الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج، لأنها معلوم من الدين بالضرورة، يستوى فى معرفتها الخاص والعام، فلا يكون إنكارها إلا تكذيبًا لله ورسوله، وهذا هو الكفر.
وكذلك تحدثوا عن البدوي فى شهادته على الحضري أو القروي. فقد منع بعض الفقهاء ذلك لان البدو لا يعرفون عادات أهل الحضر، وعاداتهم فى شئون حياتهم وما يجريى بينهم من تعاملات، وما يدور فى محيطهم من ألفاظ، فهو يشهد حينئذ بما لا يعلم. قالوا: إلا أن يكون البدوي ممن يداوم الإختلاف الى الحضر، ويخالط الناس، ويخالط الناس، ويشهد المجالس والمجامع، فإنه يصبح كالحضري، فقد تغيرت صفته بالمخالطة والمعايشة، فيتغير الحكم تبعًا لذلك.
فقد روى أبو داود وابن ماجة وغيرهما عن أبى هريرة مرفوعًا " لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ".
وقال بن القاسم: تجوز شهادة البدوي فى رؤية الهلال. وذلك لانتفاء الشبهة هنا، ولأن المسألة تتعلق بالعبادات لا المعاملات. وإن كنا شاهدنا فى عصرنا أن البدو يتسرعون فى الشهادة برؤية الهلال ولا يتثبتون. وكثيرًا ما ثبت الهلال بشهادتهم، ثم لم يره أحد فى الليلة التالية، التى تعد الليلة الثانية!.
ويدخل هنا حكم بإمامة البدوي أو الأعرابي للحضري، فقد قال الإمام القرطبي " إمامتهم - أى البدو - بأهل الحاضرة ممنوعة، لجهلم بالسنة وتركهم الجمعة. وكره بعضهم ذلك.
وقال مالك: لا يؤم وإن كان أقرأهم، خلافًا للثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي.
_________________________
عن " موجبات تغير الفتوى فى عصرنا "
د. يوسف القرضاوي
طبعة دار الشروق الأولى
2008

ليست هناك تعليقات: